للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى التَّقْلِيدِ فِي الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالِاعْتِقَادِ فِي وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى]

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى

اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ فِي الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالِاعْتِقَادِ فِي وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَمَا يَجِبُ لَهُ، وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ.

فَذَهَبَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ (١) ، وَالْحَشْوِيَّةُ (٢) ، إِلَى جَوَازِهِ، وَرُبَّمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ، وَإِنَّ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَالِاجْتِهَادَ فِيهِ حَرَامٌ.

وَذَهَبَ الْبَاقُونَ إِلَى الْمَنْعِ مِنْهُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِوُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ النَّظَرَ وَاجِبٌ، وَفِي التَّقْلِيدِ تَرْكُ الْوَاجِبِ فَلَا يَجُوزُ، وَدَلِيلُ وُجُوبِهِ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الْآيَةَ، قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «وَيْلٌ لِمَنْ لَاكَهَا بَيْنَ لِحْيَيْهِ وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا» " (٣) تَوَعُّدٌ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ وَالتَّفَكُّرِ فِيهَا، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ.

الثَّانِي: أَنَّ الْإِجْمَاعَ مِنَ السَّلَفِ مُنْعَقِدٌ عَلَى وُجُوبِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَجُوزُ، فَالتَّقْلِيدُ إِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ مُحَصِّلٌ لِلْمَعْرِفَةِ أَوْ غَيْرُ مُحَصِّلٍ لَهَا، الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُحَصِّلٌ لِلْمَعْرِفَةِ مُمْتَنِعٌ لِوُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُفْتِيَ بِذَلِكَ غَيْرُ مَعْصُومٍ، وَمَنْ لَا يَكُونُ مَعْصُومًا وَلَا يَكُونُ خَبَرُهُ وَاجِبَ الصِّدْقِ، وَمَا لَا يَكُونُ وَاجِبَ الصِّدْقِ فَخَبَرُهُ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّقْلِيدُ يُفِيدُ الْعِلْمَ لَكَانَ الْعِلْمُ حَاصِلًا لِمَنْ قَلَّدَ فِي حُدُوثِ


(١) الْعَنْبَرِيُّ - تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ ص ١٧٨ ج ٤.
(٢) انْظُرِ الْحَشْوِيَّةَ - ص ١٧١ ج١.
(٣) ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) " آلِ عِمْرَانَ "، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي كِتَابِهِ (الْكَافِي الشَّافِي فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْكَشَّافِ) : رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الرُّومِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي جَنَابٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَيْحٌ لِمَنْ لَاكَهَا بَيْنَ لِحْيَيْهِ ثُمَّ لَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا ". وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ: " لَمَّا نَزَلَتْ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) " آلِ عِمْرَانَ "، قَالَ: وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهُنَّ وَلَمْ يَتَدَبَّرْهُنَّ وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ ". انْظُرِ الْكَوْكَبَ الْمُنِيرَ لِلْفُتُوحِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>