للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى شَرْطُ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ]

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى

شَرْطُ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ حَقِيقَةً، مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ فَاصِلٍ بَيْنَهُمَا أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ، وَهُوَ مَا لَا يُعَدُّ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ آتِيًا بِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ عُرْفًا، وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ بِانْقِطَاعِ النَّفَسِ أَوْ سُعَالٍ مَانِعٍ مِنَ الِاتِّصَالِ حَقِيقَةً.

وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ شَهْرًا.

وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الِاسْتِثْنَاءِ لَفْظًا، لَكِنْ مَعَ إِضْمَارِ الِاسْتِثْنَاءِ مُتَّصِلًا بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَيَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ مَدِينًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى -.

وَلَعَلَّهُ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - دُونَ غَيْرِهِ.

حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِالِاتِّصَالِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَرَأَى غَيْرَهُ خَيْرًا مِنْهُ، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» " وَرُوِيَ: " «فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» ". (١)

وَلَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْفَصِلُ صَحِيحًا لَأَرْشَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا مُخَلِّصًا لِلْحَالِفِ عِنْدَ تَأَمُّلِ الْخَيْرِ فِي الْبِرِّ وَعَدَمِ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا يَقْصِدُ التَّيْسِيرَ وَالتَّسْهِيلَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَيْسَرُ وَأَسْهَلُ مِنَ التَّكْفِيرِ، فَحَيْثُ لَمْ يُرْشِدْ إِلَيْهِ دَلَّ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ.

الثَّانِي: أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يَعُدُّونَ ذَلِكَ كَلَامًا مُنْتَظِمًا وَلَا مَعْدُودًا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ: إِلَّا دِرْهَمًا، وَقَالَ: رَأَيْتُ بَنِي تَمِيمٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ شَهْرٍ: إِلَّا زَيْدًا، فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ اسْتِثْنَاءً وَلَا كَلَامًا صَحِيحًا كَمَا لَوْ قَالَ: رَأَيْتُ زَيْدًا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ شَهْرٍ: قَائِمًا، فَإِنَّهُمْ لَا يَعُدُّونَهُ بِذَلِكَ مُخْبِرًا عَنْ زَيْدٍ بِشَيْءٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: أَكْرِمْ زَيْدًا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ شَهْرٍ: إِنْ دَخَلَ دَارِي، فَإِنَّهُمْ لَا يَعُدُّونَ ذَلِكَ شَرْطًا.


(١) الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَقَدْ رُوِيَ بِمَعْنَاهُ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>