للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ تَرَكَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْعَمَلَ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ هَذَا الْمُبْتَدِعِ الْمُكَفَّرِ فَهُوَ مَعْذُورٌ، إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِبِدْعَتِهِ، وَلَا يُؤَاخَذُ بِالْمُخَالَفَةِ كَمَا إِذَا عَمِلَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَةِ شَاهِدِ الزُّورِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِتَزْوِيرِهِ، وَإِنْ عَلِمَ بِبِدْعَتِهِ وَخَالَفَ الْإِجْمَاعَ لِجَهْلِهِ بِأَنَّ تِلْكَ الْبِدْعَةَ مُكَفِّرَةٌ فَهُوَ غَيْرُ مَعْذُورٍ لِتَقْصِيرِهِ عَنِ الْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ لِعُلَمَاءِ الْأُصُولِ (١) الْعَارِفِينَ بِأَدِلَّةِ الْإِيمَانِ وَالتَّكْفِيرِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ بِدَلِيلِهِ إِنْ كَانَتْ لَهُ أَهْلِيَّةُ فَهْمِهِ، وَإِلَّا قَلَّدَهُمْ فِيمَا يُخْبِرُونَ بِهِ مِنَ التَّكْفِيرِ، وَأَمَّا مَاذَا يُكَفَّرُ بِهِ مِنَ الْبِدَعِ فَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي حِكَايَاتِ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ فِي " أَبْكَارِ الْأَفْكَارِ " فَعَلَيْكَ بِمُرَاجَعَتِهِ.

[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ حكم إِجْمَاعُ أَهَّلِ كُلِّ عَصْرٍ]

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ

ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ مِنَ الْقَائِلِينَ بِالْإِجْمَاعِ إِلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُحْتَجَّ بِهِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ بَلْ إِجْمَاعُ أَهَّلِ كُلِّ عَصْرٍ حُجَّةٌ خِلَافًا لِدَاوُدَ وَشِيعَتِهِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَلِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ (٢)

وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ حُجَّةَ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً غَيْرُ خَارِجَةٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَهْلِ عَصْرٍ وَعَصْرٍ، بَلْ هُوَ مُتَنَاوِلٌ لِأَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ حَسَبَ تَنَاوُلِهِ لِأَهْلِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ إِجْمَاعٌ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ حُجَّةً.

فَإِنْ قِيلَ: حُجَّةُ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً غَيْرُ خَارِجَةٍ عَنِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ السَّابِقِ ذِكْرُهَا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، وَقَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} مَعَ الْمَوْجُودِينَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَا يَكُونُ مُتَنَاوِلًا لِغَيْرِهِمْ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} وَالْأَخْبَارُ عَلَى (٣) عِصْمَةِ الْأُمَّةِ خَاصَّةٌ


(١) أَيْ عُلَمَاءُ التَّوْحِيدِ.
(٢) انْظُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ إِحْكَامِ الْأَحْكَامِ لِابْنِ حَزْمٍ.
(٣) لَعَلَّ فِيهِ تَحْرِيفًا أَوْ حَذْفًا، وَالْأَصْلُ وَالْأَخْبَارُ عَنْ عِصْمَةِ الْأُمَّةِ، أَوْ وَالْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>