للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا إِذَا أَتَى بِلَفْظٍ عَامٍّ، كَمَا لَوْ قَالَ: " كُلُّ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَأَكْرِمْهُ " فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ مَعَ تَأْكِيدِهِ بِكُلٍّ وَجَمِيعٍ، فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ فِي التَّخْصِيصِ فَهُوَ جَوَابٌ لَنَا فِي النَّسْخِ.

عَنِ الثَّالِثِ: أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ لَفْظُ التَّأْبِيدِ يُفِيدُ الْعِلْمَ، وَلَا طَرِيقَ يُفِيدُ سِوَاهُ، وَالْأَمْرَانِ مَمْنُوعَانِ:

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِمَا سَبَقَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِجَوَازِ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِذَلِكَ، أَوْ بِمَا يَقْتَرِنُ بِاللَّفْظِ مِنَ الْقَرَائِنِ الْمُفِيدَةِ لِلْيَقِينِ، كَمَا فِي الْقَرَائِنِ الْمُقْتَرِنَةِ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ، ثُمَّ مَا ذَكَرُوهُ لَازِمٌ عَلَيْهِمْ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ الْمُؤَكَّدِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ مَعَ تَوَجُّهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي النَّسْخِ بِعَيْنِهِ عَلَيْهِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مُتَّحِدًا.

وَعَنِ الرَّابِعِ: بِمَنْعِ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ أَيْضًا.

[الْمَسْأَلَةُ الرابعة نَسْخِ حُكْمِ الْخِطَابِ لَا إِلَى بَدَلٍ]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ

مَذْهَبُ الْجَمِيعِ جَوَازُ نَسْخِ حُكْمِ الْخِطَابِ لَا إِلَى بَدَلٍ خِلَافًا لِبَعْضِ الشُّذُوذِ، وَدَلِيلُهُ أَمْرَانِ:

الْأَوَّلُ: مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ، وَهُوَ أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا وُقُوعَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ عَنْهُ لِذَاتِهِ مُحَالٌ فِي الْعَقْلِ، وَلَا مَعْنَى لِلْجَائِزِ عَقْلًا سِوَى هَذَا، وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ لَا يُقَالَ بِرِعَايَةِ الْحِكْمَةِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى (١) أَوْ يُقَالَ بِذَلِكَ:

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ: فَرَفْعُ حُكْمِ الْخِطَابِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلَا يَمْتَنِعُ فِي الْعَقْلِ أَنْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ فِي نَسْخِ الْحُكْمِ دُونَ بَدَلِهِ.

الثَّانِي: مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَ فِي الشَّرْعِ كَنَسْخِ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيْ مُنَاجَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (٢) وَنَسْخِ الِاعْتِدَادِ بِحَوْلٍ كَامِلٍ فِي حَقِّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَنَسْخِ وُجُوبِ ثَبَاتِ الرَّجُلِ لِعَشَرَةٍ، وَنَسْخِ وُجُوبِ الْإِمْسَاكِ بَعْدَ


(١) سَبَقَ تَعْلِيقًا الرَّدُّ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ رِعَايَةِ الْحِكْمَةِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ وَتَشْرِيعِهِ فَتَعَيَّنَ الشِّقُّ الثَّانِي مِنَ التَّرْدِيدِ الْمَذْكُورِ.
(٢) انْظُرْ مَا تَقَدَّمَ تَعْلِيقًا ص ١٣٠ ج ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>