للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ السادسة نَسْخِ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ وَبِالْعَكْسِ وَنَسْخِهِمَا مَعًا]

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ

اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ، وَبِالْعَكْسِ، وَنَسْخِهِمَا مَعًا خِلَافًا لِطَائِفَةٍ شَاذَّةٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ.

أَمَّا الْعَقْلُ: فَهُوَ أَنَّ جَوَازَ تِلَاوَةِ الْآيَةِ حُكْمٌ، وَلِهَذَا يُثَابُ عَلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ.

وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ، فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» " (١) وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حُكْمٌ، وَإِذَا كَانَا حُكْمَيْنِ جَازَ أَنْ يَكُونَ إِثْبَاتُهُمَا مَصْلَحَةً فِي وَقْتٍ، وَمَفْسَدَةً فِي وَقْتٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ إِثْبَاتُ أَحَدِهِمَا مَصْلَحَةً مُطْلَقًا، وَإِثْبَاتُ أَحَدِهِمَا مَصْلَحَةً فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ رَفْعُهُمَا مَعًا، وَرَفْعُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ.

وَأَمَّا النَّقْلُ، إِمَّا نَسْخُ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا قَالَتْ: " «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مُحَرِّمَاتٍ، فَنُسِخَتْ بِخَمْسٍ» (٢) وَلَيْسَ فِي الْمُصْحَفِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مُحَرِّمَاتٍ، وَلَا حُكْمُهَا، فَهُمَا مَنْسُوخَانِ.

وَأَمَّا نَسْخُ الْحُكْمِ دُونَ التِّلَاوَةِ، فَكَنَسْخِ حُكْمِ آيَةِ الِاعْتِدَادِ بِالْحَوْلِ (٣) وَنَسْخِ حُكْمِ آيَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ.


(١) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: " مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَ فِي قِرَاءَتِهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عِشْرُونَ حَسَنَةً، وَمَنْ قَرَأَهُ بِغَيْرِ إِعْرَابٍ كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ " انْظُرْ كِتَابَ الْبُرْهَانِ، مَسْأَلَةٌ فِي اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالتَّفْخِيمِ.
(٢) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا " نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ثُمَّ نَزَلَ خَمْسٌ مَعْلُومَاتٌ ".
(٣) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا رَآهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ آيَةَ " وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذْرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ " نَزَلَتْ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْعِدَّةِ وَالسُّكْنَى، أَمَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي بَيَانِ حَقِّ السُّكْنَى دُونَ مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَلَيْسَتْ مَنْسُوخَةً لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنِهَا وَبَيْنَ آيَةِ اعْتِدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِاخْتِلَافِ مَوْضُوعِ الْآيَتَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>