للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ إِذَا رَوَى الصَّحَابِيُّ خَبَرًا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُجْمِلًا أَوْ ظَاهِرًا أَوْ قَاطِعًا فِي مَتْنِهِ]

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ

إِذَا رَوَى الصَّحَابِيُّ خَبَرًا، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُجْمِلًا أَوْ ظَاهِرًا أَوْ قَاطِعًا فِي مَتْنِهِ.

فَإِنْ كَانَ مُجْمِلًا مُشْتَرِكًا بَيْنَ مَحَامِلَ عَلَى السَّوِيَّةِ، كَلَفْظِ الْقُرُوءِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ حَمَلَهُ الرَّاوِي عَلَى بَعْضِ مَحَامِلِهِ، فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ ظَاهِرُ الْعُمُومِ فِي جَمِيعِ مَحَامِلِهِ، كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ، فَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ.

وَإِنْ قُلْنَا: بِامْتِنَاعِ حَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِ مَحَامِلِهِ فَلَا نَعْرِفُ خِلَافًا فِي وُجُوبِ حَمْلِ الْخَبَرِ عَلَى مَا حَمَلَهُ الرَّاوِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لَا يَنْطِقُ بِاللَّفْظِ الْمُجْمَلِ، لِقَصْدِ التَّشْرِيعِ وَتَعْرِيفِ الْأَحْكَامِ، وَيُخَلِّيهِ عَنْ حَالِيَّةٍ أَوْ مَقَالِيَّةٍ تُعَيِّنُ الْمَقْصُودَ مِنَ الْكَلَامِ.

وَالصَّحَابِيُّ الرَّاوِي الْمُشَاهِدُ لِلْحَالِ أَعْرَفُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ تَعْيِينَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ حَتَّى يَنْظُرَ، فَإِنِ انْقَدَحَ لَهُ وَجْهٌ يُوجِبُ تَعْيِينَ غَيْرِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ، وَجَبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ، وَإِلَّا فَتَعْيِينُ الرَّاوِي صَالِحٌ لِلتَّرْجِيحِ، فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي مَعْنًى، وَحَمَلَهُ الرَّاوِي عَلَى غَيْرِهِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْكَرْخِيِّ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ دُونَ تَأْوِيلِ الرَّاوِي: وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ كَيْفَ أَتْرُكُ الْخَبَرَ لِأَقْوَالِ أَقْوَامٍ، لَوْ عَاصَرْتُهُمْ لَحَاجَجْتُهُمْ بِالْحَدِيثِ؟ وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِمَذْهَبِ الرَّاوِي.

وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لِمَذْهَبِ الرَّاوِي وَتَأْوِيلِهِ وَجْهٌ، سِوَى عِلْمِهِ بِقَصْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ التَّأْوِيلِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ.

وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ بَلْ جُوزَ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَارَ إِلَيْهِ لِدَلِيلٍ ظَهَرَ لَهُ، مِنْ نَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ وَجَبَ النَّظَرُ إِلَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ، فَإِنْ كَانَ مُقْتَضِيًا لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ.

وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إِنْ عُلِمَ مَأْخَذُهُ فِي الْمُخَالَفَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ حَمْلَ الْخَبَرِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الرَّاوِي، وَجَبَ اتِّبَاعُ ذَلِكَ الدَّلِيلِ لَا لِأَنَّ الرَّاوِيَ عَمِلَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَمَلُ أَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ حُجَّةً عَلَى الْآخَرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>