للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ النَّافِي هَلْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ أَوْ لَا]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ

اخْتَلَفُوا فِي النَّافِي هَلْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ أَوْ لَا؟ .

مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنَ الْقَضَايَا الْعَقْلِيَّةِ أَوِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ فِي الْقَضَايَا الْعَقْلِيَّةِ دُونَ الشَّرْعِيَّةِ.

وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا هُوَ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّ النَّافِيَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ نَافِيًا بِمَعْنَى ادِّعَائِهِ عَدَمَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَظَنِّهِ، أَوْ مُدَّعِيًا لِلْعِلْمِ أَوِ الظَّنِّ بِالنَّفْيِ.

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ: فَالْجَاهِلُ لَا يُطَالَبُ بِالدَّلِيلِ عَلَى جَهْلِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، كَمَا لَا يُطَالَبُ عَلَى دَعْوَاهُ أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ أَلَمًا وَلَا جُوعًا وَلَا حَرًّا وَلَا بَرْدًا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ: فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْعِلْمَ بِنَفْيِ مَا نَفَاهُ ضَرُورَةً، أَوْ لَا بِطْرِيقِ الضَّرُورَةِ.

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ: فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا فِي دَعْوَى الضَّرُورَةِ، فَالضَّرُورِيُّ لَا يُطَالَبُ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ الضَّرُورَةَ فَلَا يُطَالَبُ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ مَا ادَّعَى حُصُولَهُ لَهُ عَنْ نَظَرٍ، وَيَكْفِي الْمَنْعُ فِي انْقِطَاعِهِ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يُقَدِّرُ الضَّرُورَةَ فِي ذَلِكَ، وَالنَّظَرُ غَيْرُ مُدَّعٍ لَهُ، وَإِنِ ادَّعَى الْعِلْمَ بِنَفْيِهِ لَا بِطْرِيقِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ حَصَلَ لَهُ بِطَرِيقٍ مُفْضٍ إِلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ بِطْرِيقٍ مُفْضٍ إِلَيْهِ، لَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ ; لِأَنَّ حُصُولَ عِلْمٍ غَيْرِ ضَرُورِيٍّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ يُفْضِي إِلَيْهِ مُحَالٌ.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ: فَلَا بُدَّ عِنْدَ الدَّعْوَى وَالْمُطَالَبَةِ بِدَلِيلِهَا مِنْ ذِكْرِهِ وَكَشْفِهِ لِيَنْظُرَ فِيهِ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ كَتَمَ عِلْمًا نَافِعًا مَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى إِظْهَارِهِ، وَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا نَافِعًا فَقَدْ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» " وَلِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ فِي دَعْوَى الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ (١) ، وَقَدْ وَجَبَ عَلَى مُدَّعِي الْإِثْبَاتِ ذِكْرُ الدَّلِيلِ، فَكَذَلِكَ فِي دَعْوَى النَّفْيِ، كَيْفَ وَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ مَنِ ادَّعَى الْوَحْدَانِيَّةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَقِدَمَهُ (٢)


(١) فِي دَعْوَى الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ - لَعَلَّهُ بَيْنَ دَعْوَى الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ.
(٢) انْظُرِ التَّعْلِيقَ ص ١٢ ج١.

<<  <  ج: ص:  >  >>