للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخُصُوصِهِ إِلَّا أَنَّ اقْتِضَاءَهُ لِذَلِكَ الْحَقِّ فِي وَقْتِ الْعِبَادَةِ بِعُمُومِهِ، فَيَتَقَابَلَانِ، وَيَسْلَمُ التَّرْجِيحُ بِالتَّنْصِيصِ كَمَا سَبَقَ.

قَوْلُهُمْ: حُقٌّ الْآدَمِيِّ مُرَجَّحٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ مُطْلَقًا.

وَلِهَذَا فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ - تَعَالَى - مُرَجَّحٌ عَلَى حَقِّ السَّيِّدِ فِيمَا وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ بِالْخِطَابِ الْخَاصِّ بِهِ إِجْمَاعًا، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ التَّرْجِيحِ الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُمْ فِي التَّرْجِيحِ الثَّانِي: إِنَّ السَّيِّدَ يَتَمَكَّنُ مِنْ مَنْعِ الْعَبْدِ مِنَ التَّنَفُّلِ.

قُلْنَا: وَإِنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ تَرَجُّحَ جَانِبِ حَقِّ السَّيِّدِ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي النَّوَافِلِ فَغَيْرُ مُوجِبٍ لِتَرَجُّحِهِ عَلَيْهِ فِي الْفَرَائِضِ (١) .

[الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ وُرُودُ الْخِطَابِ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ يُدْخِلُ الرَّسُولَ فِي عُمُومِهِ]

الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ

وُرُودُ الْخِطَابِ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) ، (يَا عِبَادِيَ) يُدْخِلُ الرَّسُولَ فِي عُمُومِهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِطَائِفَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كُلُّ خِطَابٍ وَرَدَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَكُنِ الرَّسُولُ مَأْمُورًا فِي أَوَّلِهِ بِأَمْرِ الْأُمَّةِ بِهِ كَهَذِهِ الْآيَاتِ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا فِي صَدْرِ الْخِطَابِ بِالْأَمْرِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ} ، فَهُوَ غَيْرٌ دَاخِلٍ فِيهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَالْحَلِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ (٢) .

حُجَّةُ مَنْ قَالَ: يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، حُجَّتَانِ.

الْأُولَى: أَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ عَامَّةٌ لِكُلِّ إِنْسَانٍ وَكُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ عَبْدٍ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدُ النَّاسِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالنُّبُوَّةُ غَيْرُ مُخْرِجَةٍ لَهُ عَنْ إِطْلَاقِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ عَلَيْهِ، فَلَا تَكُونُ مُخْرِجَةً لَهُ عَنْ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ.


(١) قَارِنْ بَيْنَ اسْتِدْلَالِهِ وَنِقَاشِهِ الْأَدِلَّةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْعُمُومِ
(٢) أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْرَفِيُّ الشَّافِعِيُّ مَاتَ سَنَةَ ٣٣٠ هـ، وَالْحَلِيمِيُّ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ الشَّافِعِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْحَلِيمِيِّ نِسْبَةً إِلَى جَدِّهِ، وُلِدَ بِجُرْجَانَ سَنَةَ ٣٣٨ هـ وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ وَمَاتَ ٤٠٣ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>