[الْمَسْأَلَةُ الْثانية نَسْخِ حُكْمِ الْفِعْلِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ
اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ النَّسْخِ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ حُكْمِ الْفِعْلِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ.
وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ الشَّارِعُ فِي رَمَضَانَ حُجُّوا فِي هَذِهِ السَّنَةِ، ثُمَّ قَالَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ لَا تَحُجُّوا.
فَذَهَبَتِ الْأَشَاعِرَةُ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِهِ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ جَمَاهِيرُ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.
وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ، وَقَدِ احْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِحُجَجٍ ضَعِيفَةٍ.
الْحُجَّةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَمْحُو كُلَّ مَا يَشَاءُ مَحْوَهُ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَحْوُ الْعِبَادَةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ، لِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى مَحْوِ كُلِّ مَا يَشَاءُ مَحْوَهُ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَشَاءُ مَحْوَ الْعِبَادَةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا عِنْدَ الْخَصْمِ، وَإِنْ بَيَّنَ إِمْكَانَ مَشِيئَةِ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْآيَةِ، فَفِيهِ تَرْكُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ.
كَيْفَ وَإِنَّهُ قَدْ أَمْكَنَ حَمْلُ الْمَحْوِ عَلَى مَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ، وَهُوَ مَحْوُ الْكِتَابَةِ مِمَّا يَكْتُبُهُ الْمَلَكَانِ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَتَبْقِيَةُ الْمَعَاصِي وَالطَّاعَاتِ.
وَمِنْهُمْ مَنِ احْتَجَّ بِقِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَمْرِ اللَّهِ لَهُ بِذَبْحِ وَلَدِهِ وَنَسْخِهِ عَنْهُ بِذَبْحِ الْفِدَاءِ، وَدَلِيلُ أَمْرِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: (اذْبَحْ وَلَدَكَ) وَرُوِيَ (وَاحِدَكَ) وَالْقُرْآنُ دَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} وَأَنَّهُ نُسِخَ بِذَبْحِ الْفِدَاءِ بِقَوْلِهِ: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} ، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَضْعُفُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ جِدًّا.
غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ وَجَّهَ الْخُصُومُ عَلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ اعْتِرَاضَاتٍ وَاهِيَةٍ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا وَالْإِشَارَةِ إِلَى الِانْفِصَالِ عَنْهَا تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute