للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الثانية عشرة تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ بِعِلَّتَيْنِ مَعًا]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ (١) اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَلٍ فِي كُلِّ صُورَةٍ بِعِلَّةٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ (٢) فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ بِعِلَّتَيْنِ مَعًا.

فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ مُطْلَقًا كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ الْعِلَلِ الْمُنَصْوُصَةِ وَالْمُسْتَنْبَطَةِ، فَجَوَّزَهُ فِي الْمُنَصْوُصَةِ وَمَنَعَ مِنْهُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ كَالْغَزَالِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ.

وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَلَّلًا بِعِلَّتَيْنِ لَمْ يَخْلُ إِمَّا أَنْ تَسْتَقِلَّ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِالتَّعْلِيلِ، أَوْ أَنَّ الْمُسْتَقِلَّ بِالتَّعْلِيلِ إِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، أَوْ أَنَّهُ لَا اسْتِقْلَالَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَلِ التَّعْلِيلُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا.

لَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ ; لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الْوَصْفِ مُسْتَقِلًّا بِالتَّعْلِيلِ أَنَّهُ عِلَّةُ الْحُكْمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَيَلْزَمُ مِنَ اسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِهَذَا التَّفْسِيرِ امْتِنَاعُ اسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَهُوَ مُحَالٌ.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ أَوِ الثَّالِثَ فَالْعِلَّةُ لَيْسَتْ إِلَّا وَاحِدَةً، وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي التَّعْلِيلِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ أَوْ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: نَحْنُ لَا نُفَسِّرُ اسْتِقْلَالَ الْعِلَّةِ بِأَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ بِهَا لَا غَيْرَ لِيَلْزَمَنَا مَا قِيلَ، بَلْ مَعْنَى اسْتِقْلَالِهَا أَنَّهَا لَوِ انْفَرَدَتْ لَكَانَ الْحُكْمُ لَهَا وَلَا أَثَرَ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهَا.

وَلَا يَخْفَى وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ.

سَلَّمْنَا دَلَالَةَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ عَلَى امْتِنَاعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ تَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مُسْتَقِلَّةً بِالْحُكْمِ، لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا هُوَ الْوَاقِعُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ.

وَذَلِكَ أَنَّا قَدِ اتَّفَقْنَا عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ عَقِيبَ عِلَلٍ مُخْتَلِفَةٍ، كُلِّ وَاحِدَةٍ قَدْ ثَبَتَ اسْتِقْلَالُهَا بِالتَّعْلِيلِ فِي صُورَةٍ.


(١) انْظُرْ ص ١٦٧ ج ٢٠ وَص ٢٧٣ - ٢٧٤ ج ١٨ مِنْ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى
(٢) الْوَاحِدُ أَيْ بِالشَّخْصِ

<<  <  ج: ص:  >  >>