للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ عِلَّةً لَهُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِلْمُكَلَّفِ لَا فِي إِيجَادِهِ وَلَا فِي إِعْدَامِهِ، فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي امْتِنَاعِ التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الْعَدَمِيِّ، وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا يَمْتَنِعُ تَعْلِيلُهُ بِالْوَصْفِ الْعُرْفِيِّ وَالتَّقْدِيرِيِّ، وَالْوَصْفُ الْوُجُودِيُّ الَّذِي لَا قُدْرَةَ لِلْمُكَلَّفِ عَلَى تَحْصِلِهِ، كَالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ وَالطَّعْمِ وَالنَّقْدِيَّةِ وَالصِّغَرِ وَنَحْوِهِ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ ثَابِتًا بِخِطَابِ الْوَضْعِ وَالْإِخْبَارِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمُعَلَّلُ بِهِ بَاعِثًا عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، إِمَّا لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ لَزِمَتْ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ بِهِ، وَإِمَّا لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ تَلْزَمُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عِلَّةً ; لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ اللَّازِمَةَ مِنَ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ بِهِ كَانَتْ مَطْلُوبَةَ الِانْتِفَاءِ بِشَرْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ ; لَمَّا شَرَعَ الْحُكْمُ الْمُعَلَّلُ بِهِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ شَرْعِهِ مِنْ وُجُوهِ مَفْسَدَةٍ مَطْلُوبَةِ الِانْتِفَاءِ لِلشَّارِعِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا يَمْتَنِعُ الْحُكْمُ بِالْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ تَرْتِيبُ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ يَسْتَلْزِمُ حُصُولَ مَصْلَحَةٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِهَا أَحَدُهُمَا، فَقَدْ يَنْحَلُّ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ إِطْلَاقَ الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ التَّعْلِيلِ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَجَوَازِهِ مُمْتَنِعٌ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ التَّفْصِيلِ.

[الْمَسْأَلَةُ السادسة اشْتَرَطَ قَوْمٌ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ ذَاتَ وَصْفٍ وَاحِدٍ لَا تَرْكِيبَ فِيهِ]

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ

اشْتَرَطَ قَوْمٌ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ ذَاتَ وَصْفٍ وَاحِدٍ لَا تَرْكِيبَ فِيهِ كَتَعْلِيلِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ بِالْإِسْكَارِ وَنَحْوِهِ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.

وَذَلِكَ كَتَعْلِيلِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِالْمُحَدَّدِ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ.

وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ مِنَ الْأَوْصَافِ الْمُتَعَدِّدَةِ مِمَّا يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَى ظَنِّ التَّعْلِيلِ بِهَا إِمَّا بِمُنَاسَبَةٍ أَوْ شِبْهٍ أَوْ سَبْرٍ وَتَقَسُّمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طُرُقِ الِاسْتِنْبَاطِ وَالتَّخْرِيجِ مَعَ اقْتِرَانِ الْحُكْمِ بِهَا حَسَبَ دَلَالَتِهِ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ الْوَاحِدِ، فَكَانَتْ عِلَّةً.

فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّةٍ ذَاتِ أَوْصَافٍ، غَيْرَ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>