للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَمْتَنِعُ (١) الْجَمْعُ بَيْنَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا، وَضِدِّ الْآخَرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمُخْتَلِفَاتِ جَوَازُهُ فِي الْبَاقِي، وَإِذَا بَطَلَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ دَلِيلِ الِاتِّحَادِ بَطَلَ مَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ.

[الْمَسْأَلَةُ السابِعَةُ الْإِتْيَانَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ يَدُلُّ عَلَى الْإِجْزَاءِ]

الْمَسْأَلَةُ السابِعَةُ

مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَالْفُقَهَاءِ وَأَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ يَدُلُّ عَلَى الْإِجْزَاءِ، خِلَافًا لِلْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَمُتَّبِعِيهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِجْزَاءِ.

وَقَبْلَ الْخَوْضِ فِي الْحِجَاجِ، لَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ مَعْنَى الْإِجْزَاءِ لِيَكُونَ التَّوَارُدُ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ عَلَى مَحَزٍّ وَاحِدٍ، فَنَقُولُ كَوْنُ الْفِعْلِ مُجْزِئًا، قَدْ يُطْلَقُ بِمَعْنَى أَنَّهُ امْتَثَلَ بِهِ الْأَمْرُ عِنْدَمَا إِذَا أُتِيَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، وَقَدْ يُطْلَقُ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُسْقِطٌ لِلْقَضَاءِ.

وَإِذَا عُلِمَ مَعْنَى كَوْنِ الْفِعْلِ مُجْزِئًا فَقَدِ اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، يَكُونُ مُجْزِئًا بِمَعْنَى كَوْنِهِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ.

وَإِنَّمَا خَالَفَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ فِي كَوْنِهِ مُجْزِئًا بِالِاعْتِبَارِ الْآخَرِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ، وَلَا يَمْتَنِعُ مَعَ فِعْلِهِ مِنَ الْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي عَمْدِهِ.

وَعَلَى هَذَا، فَكُلُّ مَنِ اسْتَدَلَّ مِنْ أَصْحَابِنَا كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْقَائِلِينَ بِالْإِجْزَاءِ عَلَى كَوْنِ الْفِعْلِ امْتِثَالًا وَخُرُوجًا عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، فَقَدِ اسْتَدَلَّ عَلَى مَحَلِّ الْوِفَاقِ وَحَادَ عَنْ مَوْضِعِ النِّزِاعِ.

لَكِنْ قَدْ أَوْرَدَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ إِشْكَالًا عَلَى تَفْسِيرِ إِجْزَاءِ الْفِعْلِ بِكَوْنِهِ مُسْقِطًا لِلْقَضَاءِ، وَقَالَ: لَوْ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ مَعَ الطَّهَارَةِ فَأَتَى بِهَا مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ، وَمَاتَ عَقِيبَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِعْلُهُ مُجْزِئًا، وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ سَاقِطًا (٢) .

وَرُبَّمَا زَادَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ: يَمْتَنِعُ تَفْسِيرُ الْإِجْزَاءِ بِسُقُوطِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّا نُعَلِّلُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِكَوْنِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ مُجْزِئًا، وَالْعِلَّةُ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مُغَايِرَةً لِلْمَعْلُولِ.


(١) وَبِهِ يَمْتَنِعُ - أَيْ بِتَقْدِيرِ التَّلَازُمِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ يَمْتَنِعُ إِلَخْ
(٢) يَعْنِي أَنَّهُ فَسَّرَ الْإِجْزَاءَ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ فَإِنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ قَدْ يُوجَدُ مَعَ الْإِجْزَاءِ وَنَقِيضِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>