للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ فِي إِبْطَالِهِمَا (١) أَنْ يُقَالَ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْإِجْزَاءَ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ سُقُوطِ الْقَضَاءِ مُطْلَقًا لِيَلْزَمَ مَا قِيلَ، بَلْ سُقُوطُ الْقَضَاءِ بِالْفِعْلِ فِي حَقِّ مَنْ يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ (٢) .

وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّ عِلَّةَ صِحَّةِ (٣) وُجُوبِ الْقَضَاءِ إِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاكُ مَا فَاتَ مِنْ مَصْلَحَةِ أَصْلِ الْعِبَادَةِ، أَوْ صِفَتِهَا، أَوْ مَصْلَحَةِ مَا انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ.

وَلَمْ يَجِبْ لِمَانِعٍ " لَا مَا قِيلَ " (٤) .

وَإِذَا تَنَقَّحَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَنَعُودُ إِلَى الْمَقْصُودِ، فَنَقُولُ: الْفِعْلُ الْمَأْمُورُ بِهِ لَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَتَى بِهِ الْمَأْمُورُ عَلَى نَحْوِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ وَلَا نَقْصٍ فِي صِفَتِهِ وَشَرْطِهِ، أَوْ أَتَى بِهِ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْخَلَلِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: " أَنَّهُ " لَا نِزَاعَ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُجْزِئٍ وَلَا مُسْقِطٍ لِلْقَضَاءِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيهِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ وُرُودُ أَمْرٍ مُجَدَّدٍ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِفِعْلٍ مِثْلِ مَا أُمِرَ بِهِ أَوَّلًا، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي وُرُودِ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ مُتَّصِفًا بِصِفَةِ الْقَضَاءِ، وَالْحَقُّ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْأَدَاءِ، أَوْ مَصْلَحَةِ صِفَتِهِ، أَوْ شَرْطِهِ.

وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ قَدْ فَعَلَ عَلَى جِهَةِ الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ، مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ وَلَا خَلَلٍ فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ اسْتِدْرَاكًا لِمَا قَدْ حَصَلَ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ، وَهُوَ مُحَالٌ.

وَمَنْ يَنْفِي الْقَضَاءَ إِنَّمَا يَنْفِيهِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَهَذَا مِمَّا يَتَعَذَّرُ مَعَ تَحْقِيقِهِ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْكِرُ إِمْكَانَ وُرُودِ الْأَمْرِ خَارِجَ الْوَقْتِ، بِمِثْلِ مَا فَعَلَ أَوَّلًا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُسَمِّيهِ قَضَاءً، وَمَنْ سَمَّاهُ قَضَاءً فَحَاصِلُ النِّزَاعِ مَعَهُ آيِلٌ إِلَى اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى.


(١) فِي إِبْطَالِهِمَا - أَيِ الْإِشْكَالِ الْأَوَّلِ وَمَا زَادَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ
(٢) هَذَا جَوَابٌ بِتَحْرِيرِ الْمُرَادِ بِسُقُوطِ الْقَضَاءِ
(٣) الْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ الْإِمْكَانُ الْمُقَابِلُ لِلِامْتِنَاعِ لَا مَا يُقَابِلُ الْبُطْلَانَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سَابِقًا عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَلَا يَمْتَنِعُ مَعَ فِعْلِهِ مِنَ الْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ. وَقَوْلُهُ بَعْدُ وَإِنْ كَانَ لَا يُنْكِرُ إِمْكَانَ وُرُودِ الْأَمْرِ خَارِجَ الْوَقْتِ - وَكَذَا مَا يَذْكُرُهُ فِي الشُّبْهَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ شُبَهِ الْخُصُومِ
(٤) أَيْ مِنْ أَنَّ عِلَّةَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ مُجْزِئًا

<<  <  ج: ص:  >  >>