للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ أَوَّلًا غَيْرُ مَرْضِيٍّ أَنْ لَوْ كَانَ النَّسْخُ رَفَعَ مَا ثَبَتَ أَوَّلًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ دَلَالَةِ الْخِطَابِ عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَرِدْ بِخِطَابِهِ الْأَوَّلِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي وَقْتِ النَّسْخِ دُونَ مَا قَبْلَهُ.

وَعَنِ الْمُعَارَضَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنِ اخْتِلَافِ جِنْسِ السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوَحْيِ بِمَا اخْتَصَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا - امْتِنَاعُ نَسْخِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ.

وَعَلَى هَذَا فَنَقُولُ: الْقُرْآنُ يَكُونُ رَافِعًا لِحُكْمِ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ نَاسِخًا.

[الْمَسْأَلَةُ العاشرة نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ]

الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ

قَطَعَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الظَّاهِرِ بِامْتِنَاعِ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.

وَأَجَازَ ذَلِكَ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنُ سُرَيْجٍ، وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي الْوُقُوعِ.

وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ عَقْلًا ; لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

وَأَمَّا الْوُقُوعُ فَقَدِ احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِهِ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ - نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ". (١) قَالُوا: وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ النَّاسِخَ لِلْوَصِيَّةِ آيَةُ الْمِيرَاثِ ; لِأَنَّ الْجَمْعَ مُمْكِنٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْوَصِيَّةِ لِلْأَجَانِبِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِمَا فِيهِ مِنْ نَسْخِ حُكْمِ الْقُرْآنِ الْمُتَوَاتِرِ بِخَبَرِ الْآحَادِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَلَى مَا يَأْتِي (٢) ، وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمِيرَاثِ مَانِعًا مِنَ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنَ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ.

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ جَلْدَ الزَّانِي الثَّابِتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} نُسِخَ بِالرَّجْمِ الثَّابِتِ بِالسُّنَّةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِمَا فِيهِ مِنْ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِآحَادِ السُّنَّةِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَلَى مَا يَأْتِي (٣) ، وَفِي حَقِّ الشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَمْكَنَ


(١) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ: " إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ "، وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُمَامَةَ
(٢) سَيَأْتِي أَيْضًا الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيقًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ
(٣) سَيَأْتِي أَيْضًا الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيقًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>