تَجْهِيلٌ لِلْمُكَلَّفِ، وَإِنَّمَا يَنْتَفِي هَذَا التَّجْهِيلُ بِالتَّخْصِيصِ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنِ الْعُمُومِ.
وَمَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ خِلَافُ ذَلِكَ.
وَدَلِيلُ جَوَازِهِ وُقُوعُهُ.
وَبَيَانُ وُقُوعِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ سَارِقٍ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ تَخْصِيصَهُ بِمَا خُصِّصَ بِهِ مِنْ ذِكْرِ نِصَابِ السَّرِقَة أَوَّلًا، وَعَدَمِ الشُّبْهَةِ ثَانِيًا وَقَعَ عَلَى التَّدْرِيجِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} خُصِّصَ أَوَّلًا بِتَفْسِيرِ الِاسْتِطَاعَةِ بِذِكْرِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، ثُمَّ بِذِكْرِ الْأَمْنِ فِي الطَّرِيقِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ طَلَبِ الْخِفَارَةِ ثَانِيًا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} أُخْرِجَ مِنْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَوَّلًا، ثُمَّ الْعَسِيفُ وَالْمَرْأَةُ ثَانِيًا.
وَكَذَلِكَ آيَةُ الْمِيرَاثِ أُخْرِجَ مِنْهَا مِيرَاثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقَاتِلِ وَالْكَافِرِ، وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى التَّدْرِيجِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُمُومَاتِ الْمُخَصَّصَةِ.
وَلَوْلَا جَوَازُهُ لَمَا وَقَعَ.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ تَخْصِيصَ الْبَعْضِ بِالذِّكْرِ يُوهِمُ نَفْيَ تَخْصِيصِهِ بِشَيْءٍ آخَرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْخِطَابِ الْعَامِّ دُونَ ذِكْرِ الْمُخَصِّصِ مَعَ كَوْنِهِ ظَاهِرًا فِي التَّعْمِيمِ بِلَفْظِهِ، إِذَا لَمْ يُوهِمُ الْمَنْعَ مِنَ التَّخْصِيصِ، فَإِخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى إِثْبَاتِ غَيْرِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بِلَفْظِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مُوهِمًا لِمَنْعِ التَّخْصِيصِ.
[الْمَسْأَلَةُ الثامنة إِذَا وَرَدَ لَفْظٌ عَامٌّ بِعِبَادَةٍ أَوْ غَيْرِهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ
إِذَا وَرَدَ لَفْظٌ عَامٌّ بِعِبَادَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ: يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهِ جَزْمًا قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَصِّصِ، وَإِذَا ظَهَرَ الْمُخَصِّصُ تَغَيَّرَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ، وَهُوَ خَطَأٌ: فَإِنَّ احْتِمَالَ إِرَادَةِ الْخُصُوصِ بِهِ قَائِمٌ، وَلِهَذَا، لَوْ ظَهَرَ الْمُخَصِّصُ لَمَا كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا، وَوَجَبَ اعْتِقَادُ الْخُصُوصِ.
وَمَا هَذَا شَأْنُهُ فَاعْتِقَادُ عُمُومِهِ جَزْمًا قَبْلَ الِاسْتِقْصَاءِ فِي الْبَحْثِ عَنْ مُخَصِّصِهِ وَعَدَمِ الظَّفَرِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ تَرْكَنُ النَّفْسُ إِلَى عَدَمِهِ، يَكُونُ مُمْتَنِعًا، فَإِذًا لَا بُدَّ فِي الْجَزْمِ بِاعْتِقَادِ عُمُومِهِ مِنِ اعْتِقَادِ انْتِفَاءِ مُخَصِّصِهِ بِطَرِيقِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا نَعْرِفُ خِلَافًا بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ فِي امْتِنَاعِ الْعَمَلِ بِمُوجِبِ اللَّفْظِ الْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ، وَعَدَمِ الظَّفَرِ بِهِ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا:
فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى امْتِنَاعِ الْعَمَلِ بِهِ وَاعْتِقَادِ