{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ.
وَلَوْ كَانَ جَمْعُ التَّذْكِيرِ مُقْتَضِيًا لِدُخُولِ الْإِنَاثِ فِيهِ لَكَانَ خُرُوجُهُنَّ عَنْ هَذِهِ الْأَوَامِرِ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَحَيْثُ وَقَعَ الِاشْتِرَاكُ تَارَةً وَالِافْتِرَاقُ تَارَةً عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى دَلِيلٍ خَارِجٍ، لَا إِلَى نَفْسِ اقْتِضَاءِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ.
[الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ إِذَا وَرَدَ لَفْظٌ عَامٌّ لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ عَلَامَةُ تَذْكِيرٍ وَلَا تَأْنِيثٍ هَلْ يَعُمُّ الْمُذَكَّرَ وَالْمُؤَنَّثَ]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ
إِذَا وَرَدَ لَفْظٌ عَامٌّ لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ عَلَامَةُ تَذْكِيرٍ وَلَا تَأْنِيثٍ سِوَى لَفْظِ الْجَمْعِ مِثْلُ (مَنْ) فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ هَلْ يَعُمُّ الْمُذَكَّرَ وَالْمُؤَنَّثَ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَأَثْبَتَهُ الْأَكْثَرُونَ وَنَفَاهُ الْأَقَلُّونَ.
وَالْمُخْتَارُ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ دُخُولُ الْمُؤَنَّثِ فِيهِ.
وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْقَائِلُ لِعَبْدِهِ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَأَكْرِمْهُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يُلَامُ بِإِخْرَاجِ الدَّاخِلِ مِنَ الْمُؤَنَّثَاتِ عَنِ الْإِكْرَامِ وَيُلَامُ السَّيِّدُ بِلَوْمِ الْعَبْدِ بِإِكْرَامِهِنَّ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي النَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ.
وَالْأَصْلُ فِي كُلِّ مَا فُهِمَ مِنَ اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِيهِ لَا مَجَازًا.
فَإِنْ قِيلَ: التَّعْمِيمُ فِيمَا ذَكَرْتُمُوهُ إِنَّمَا فُهِمَ مِنَ الْحَالِ، وَهِيَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ مُقَابَلَةِ الدَّاخِلِ إِلَى دَارِ الْإِنْسَانِ وَالْحُلُولِ فِي مَنْزِلِهِ بِالْإِكْرَامِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ لَا أَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ اللَّفْظِ حَقِيقَةً.
قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ بِمَا لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَأَهِنْهُ، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْعُمُومُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْقَرِينَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ: مَنْ قَالَ لَكَ: أَلِفٌ فَقُلْ لَهُ: (بَ) ، فَإِنَّهُ لَا قَرِينَةَ أَصْلًا، وَالْعُمُومُ مَفْهُومٌ مِنْهُ فَدَلَّ عَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِ (١) .
(١) إِنَّمَا قَالَ: تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ ; لِأَنَّهُ اخْتَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْعُمُومِ صِحَّةَ الِاحْتِجَاجِ بِصِيَغِ الْعُمُومِ فِي الْخُصُوصِ وَالتَّوَقُّفَ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ. وَلَا أَدْرِي كَيْفَ يَبْنِي اخْتِيَارَهُ هُنَا عَلَى مَا رَدَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ؟ وَكَيْفَ يَحْتَجُّ لِاخْتِيَارِهِ الْعُمُومَ هُنَا بِمَا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَنِ احْتَجَّ بِهِ لِعُمُومِ (مَنِ) الشَّرْطِيَّةِ؟ أُرَى مَصْدَرَ ذَلِكَ الْحَيْرَةَ وَالْوَلَعَ بِالْجَدَلِ وَالتَّأْلِيفَ لِلتَّأْلِيفِ لَا عَنْ عَقِيدَةٍ أَوِ اقْتِنَاعٍ وَلَا لِإِثْبَاتِ حَقٍّ أَوْ إِقْنَاعٍ، قَارِنْ بَيْنَ اسْتِدْلَالِهِ وَمُنَاقَشَتِهِ الْأَدِلَّةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْعُمُومِ لِيَتَبَيَّنَ لَكَ مَنْهَجُهُ الْعِلْمِيُّ