للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ فِي الْقِيَاسِ وَإِثْبَاتِهِ عَلَى مُنْكِرِيهِ وَفِيهِ مَسَائِلَ]

[المسألة الأولى التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ عَقْلًا]

الْبَابُ الرَّابِعُ

فِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ فِي الْقِيَاسِ وَإِثْبَاتِهِ عَلَى مُنْكِرِيهِ وَفِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ.

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى

يَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ عَقْلًا (١) .

وَبِهِ قَالَ السَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ.

وَقَالَتِ الشِّيعَةُ وَالنَّظَّامُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ كَيَحْيَى الْإِسْكَافِيِّ وَجَعْفَرِ بْنِ مُبَشِّرٍ وَجَعْفَرِ بْنِ حَرْبٍ (٢) بِإِحَالَةِ وُرُودِ التَّعَبُّدِ بِهِ عَقْلًا ; وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي مَأْخَذِ الْإِحَالَةِ الْعَقْلِيَّةِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ.

وَقَالَ الْقَفَّالُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ بِأَنَّ الْعَقْلَ مُوجِبٌ لِوُرُودِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ.


(١) التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: الْأَوَّلُ: إِثْبَاتُ الْأَحْكَامِ بِهِ وَاعْتِقَادُهُ حُجَّةً فِي الشَّرْعِ كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، فَيُلْحِقُ الْمُجْتَهِدُ الْفَرْعَ بِالْأَصْلِ فِي حُكْمِهِ لِجَامِعٍ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي بَحَثَهُ الْآمِدِيُّ تَعْرِيفًا وَاسْتِدْلَالًا وَجَدَلًا، وَالثَّانِي وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَى الْأُمَّةِ مُجْتَهِدِيهَا وَمُقَلِّدِيهَا بِمَا ثَبَتَ مِنَ الْأَحْكَامِ بِالْقِيَاسِ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْعَضُدِ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِنْ كَانَتْ طَرِيقَتُهُ تَبَعًا لِلْمُخْتَصَرِ فِي التَّعْرِيفِ وَالِاسْتِدْلَالِ لَا تَخْرُجُ عَمَّا سَلَكَهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْخَطْبُ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حُجِّيَّتِهِ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِنَتِيجَتِهِ وَلَا يَكُونُ وَاجِبُ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ إِلَّا إِذَا ثَبَتَتْ حُجِّيَّتُهُ فَهُمَا مُتَلَازِمَانِ.
(٢) جَعْفَرُ بْنُ مُبَشِّرٍ هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ مِنَ الطَّبَقَةِ السَّابِعَةِ مِنْ طَبَقَاتِ الْمُعْتَزِلَةِ وُلِدَ بِبَغْدَادَ وَمَاتَ عَامَ ٢٣٤ هـ وَجَعْفَرُ بْنُ حَرْبٍ هُوَ أَبُو الْفَضْلِ الْهَمْدَانِيُّ مِنَ الطَّبَقَةِ السَّابِعَةِ مِنْ طَبَقَاتِ الْمُعْتَزِلَةِ مَاتَ ٢٣٦ هـ وَإِلَى الْجَعْفَرَيْنِ تُنْسَبُ الْجَعْفَرِيَّةُ فِرْقَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَيُقَالُ إِنَّهُمَا كَانَا يُضْرَبُ بِهِمَا الْمَثَلُ فِي الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ فَيُقَالُ عِلْمُ الْجَعْفَرَيْنِ وَزُهْدُ الْجَعْفَرَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>