للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُنَا (مَعَ قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ الدَّلَالَةَ عَلَى النِّسْبَةِ أَوْ سَلْبِهَا) احْتِرَازٌ عَنْ صِيغَةِ الْخَبَرِ إِذَا وَرَدَتْ. وَلَا تَكُونُ خَبَرًا، كَالْوَارِدَةِ عَلَى لِسَانِ النَّائِمِ وَالسَّاهِي وَالْحَاكِي لَهَا، أَوْ لِقَصْدِ الْأَمْرِ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} ، وَقَوْلِهِ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} ، {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} ، {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} وَنَحْوِهِ، حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الدَّلَالَةَ عَلَى النِّسْبَةِ وَلَا سَلْبَهَا.

[الْقِسْمَةُ الْأُولَى الْخَبَرَ يَنْقَسِمُ إِلَى صَادِقٍ وَكَاذِبٍ]

وَإِذَا عُرِفَ مَعْنَى الْخَبَرِ فَهُوَ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَ قِسَمٍ:

الْقِسْمَةُ الْأُولَى: أَنَّ الْخَبَرَ يَنْقَسِمُ إِلَى صَادِقٍ وَكَاذِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلْمُخْبَرِ بِهِ (١) أَوْ غَيْرَ مُطَابِقٍ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَهُوَ الصَّادِقُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَهُوَ الْكَاذِبُ.

وَقَالَ الْجَاحِظُ: الْخَبَرُ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: صَادِقٌ، وَكَاذِبٌ، وَمَا لَيْسَ بِصَادِقٍ، وَلَا كَاذِبٍ. وَقَدِ احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَّا النَّصُّ فَحِكَايَةُ الْقُرْآنِ عَنِ الْكُفَّارِ قَوْلَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} حَصَرُوا دَعْوَاهُ النُّبُوَّةَ فِي الْكَذِبِ وَالْجِنَّةِ، وَلَيْسَ إِخْبَارُهُ بِالنُّبُوَّةِ حَالَةَ جُنُونِهِ كَذِبًا لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهَا فِي مُقَابَلَةِ الْكَذِبِ، وَلَا صِدْقًا، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوا صِدْقَهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ. فَإِخْبَارُهُ حَالَةَ جِنَّةٍ لَيْسَ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ الصَّادِقُ هُوَ الْخَبَرَ الْمُطَابِقَ لِلْمُخْبَرِ.

فَإِنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِأَنَّ زَيْدًا فِي الدَّارِ، عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا، وَكَانَ فِيهَا، فَإِنَّهُ لَا يُوَصَفُ بِكَوْنِهِ صَادِقًا وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ خَبَرُهُ مُطَابِقًا لِلْمُخْبَرِ. وَلَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ كَاذِبًا لِمُطَابَقَةِ خَبَرِهِ لِلْمُخْبَرِ. وَكَذَلِكَ لَيْسَ الْكَذِبُ هُوَ عَدَمُ مُطَابَقَةِ الْخَبَرِ لِلْمُخْبَرِ لِوَجْهَيْنِ؛ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ الْكَذِبُ فِي كَلَامِ اللَّهِ (تَعَالَى) بِتَخْصِيصِ عُمُومِ خَبَرِهِ وَتَقْيِيدِ مُطْلَقِهِ لِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ، وَهُوَ مُحَالٌ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ مُخْبِرٌ أَنَّ زَيْدًا فِي الدَّارِ، عَلَى اعْتِقَادِ كَوْنِهِ فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا،


(١) بِهِ الصَّوَابُ إِبْدَالُهَا بِكَلِمَةِ عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>