[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي كَيْفِيَّةِ مُلَازَمَةِ الْحِكْمَةِ لِضَابِطِهَا وَبَيَانِ أَقْسَامِهَا]
الْفَصْلُ السَّادِسُ
فِي كَيْفِيَّةِ مُلَازَمَةِ الْحِكْمَةِ لِضَابِطِهَا وَبَيَانِ أَقْسَامِهَا
فَنَقُولُ: الْحِكْمَةُ اللَّازِمَةُ لِضَابِطِهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ نَاشِئَةً عَنْهُ، وَإِمَّا أَنْ لَا تَكُونَ نَاشِئَةً عَنْهُ.
وَالَّتِي لَا تَكُونُ نَاشِئَةً عَنْهُ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ لِلْوَصْفِ دَلَالَةٌ عَلَى الْحَاجَةِ إِلَيْهَا، أَوْ لَا تَكُونَ كَذَلِكَ.
فَالْأَوَّلُ كَشَرْعِ الرُّخْصَةِ فِي السَّفَرِ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ النَّاشِئَةِ مِنَ السَّفَرِ.
وَالثَّانِي: كَالْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ بِإِفْضَائِهِ إِلَى الِانْتِفَاعِ بِالْعِوَضِ، فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ لَازِمٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ ظَاهِرًا وَلَيْسَ نَاشِئًا عَنِ الْبَيْعِ، وَلَكِنْ لِلْبَيْعِ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ الصَّادِرُ مِنَ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ، وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ دَلَالَةً عَلَى الْحَاجَةِ إِلَيْهِ.
وَالثَّالِثُ: كَمَا فِي مِلْكِ نِصَابِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُنَاسِبُ إِيجَابَ الزَّكَاةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ نِعْمَةٌ، وَالنِّعْمَةُ تُنَاسِبُ الشُّكْرَ لِإِفْضَاءِ الشُّكْرِ إِلَى زِيَادَةِ النِّعْمَةِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} ، وَالزَّكَاةُ صَالِحَةٌ لِأَنْ تَكُونُ شُكْرًا لِمَا فِيهَا مِنْ إِظْهَارِ النِّعْمَةِ، وَإِظْهَارُ النِّعْمَةِ فِي الْعُرْفِ يُعَدُّ شُكْرًا.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا مِثْلَ هَذَا الْمَقْصُودِ (١) وَهُوَ زِيَادَةُ النِّعْمَةِ مُلَازِمٌ لِتَرْتِيبِ إِيجَابِ الزَّكَاةِ عَلَى ذَلِكَ النِّصَابِ، وَلَيْسَ زِيَادَةُ النِّعْمَةِ نَاشِئَةً عَنْ نَفْسِ مِلْكِ النِصَابِ، كَمَا كَانَتِ الْمَشَقَّةُ نَاشِئَةً عَنِ السَّفَرِ، وَلَا لِمِلْكِ النِّصَابِ دَلَالَةٌ عَلَى الْحَاجَةِ إِلَى زِيَادَةِ النِّعْمَةِ كَدَلَالَةِ الْبَيْعِ عَلَى الْحَاجَةِ إِلَى الِانْتِفَاعِ
(١) وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا مِثْلَ هَذَا الْمَقْصُودِ - تَكَرَّرَ مِنَ الْآمِدِيِّ اسْتِعْمَالُ هَذَا التَّرْكِيبِ وَعِبَارَتُهُ قَلِقَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيقًا ص ١٤١ ج ٢ وَأَقُولُ: لَوْ حُذِفَتْ " مَا " أَوْ بَقِيَتْ وَزِيدَ بِعْدَهَا كَانَ لَسَهُلَتِ الْعِبَارَةُ وَوَضُحَ مَعْنَاهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute