للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهُوَ مَنْقُوضٌ بِمَا لَوْ صَرَّحَ الْآمِرُ بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ، فَإِنَّ كُلَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْأَقْسَامِ مُتَحَقِّقٌ فِيهِ، مَعَ جَوَازِ تَأْخِيرِهِ.

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْآيَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَهِيَ غَيْرُ دَالَّةٍ عَلَى وُجُوبِ تَعْجِيلِ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَإِنَّهُمَا بِمَنْطُوقِهِمَا يَدُلَّانِ عَلَى الْمُسَارَعَةِ إِلَى الْخَيْرَاتِ وَالْمَغْفِرَةِ.

وَالْمُرَادُ بِهِ إِنَّمَا هُوَ الْمُسَارَعَةُ إِلَى سَبَبِ ذَلِكَ، وَدَلَالَتُهُمَا عَلَى السَّبَبِ إِنَّمَا هِيَ بِجِهَةِ الِاقْتِضَاءِ، وَالِاقْتِضَاءُ لَا عُمُومَ لَهُ، عَلَى مَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ، فَلَا دَلَالَةَ لَهُمَا عَلَى الْمُسَارَعَةِ إِلَى كُلِّ سَبَبٍ لِلْخَيْرَاتِ وَالْمَغْفِرَةِ، فَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَا اتَّفَقَ عَلَى وُجُوبِ تَعْجِيلِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا، وَلَا يَعُمُّ كُلَّ فِعْلٍ مَأْمُورٍ بِهِ (١) .

[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ عَلَى التَّعْيِينِ]

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ (٢) الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ عَلَى التَّعْيِينِ (٣) هَلْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ: وَتَفْصِيلُ الْمَذَاهِبِ: أَمَّا أَصْحَابُنَا فَالْأَمْرُ عِنْدَهُمْ هُوَ الطَّلَبُ الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ بِعَيْنِهِ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ، وَإِنَّ طَلَبَ الْفِعْلِ بِعَيْنِهِ هُوَ طَلَبُ تَرْكِ أَضْدَادِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ فِي أَوَّلِ أَقْوَالِهِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنِ الْأَضْدَادِ لَا أَنَّ الْأَمْرَ هُوَ عَيْنُ النَّهْيِ، وَهُوَ آخِرُ مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي آخِرِ أَقْوَالِهِ (٤) .


(١) وَأَيْضًا الْأَمْرُ فِي الْآيَتَيْنِ دَالٌّ عَلَى الْفَوْرِ بِمَادَّتِهِ لَا بِصِيغَتِهِ، فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِمَا اسْتِدْلَالٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَأَيْضًا الِاسْتِدْلَالُ بِهِمَا عَلَى إِفَادَةِ الْأَمْرِ فِي غَيْرِهِمَا مِنَ النُّصُوصِ الْفَوْرِيَّةِ اسْتِدْلَالٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ، بِدَلِيلٍ خَارِجٍ، وَالنِّزَاعُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ مِنَ الْقَرَائِنِ
(٢) انْظُرْ ص ١١٨ - ١٥٩ مِنْ ج ٢٠ مِنْ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى لِابْنِ تَيْمِيَّةَ
(٣) يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ شَيْئًا مُعَيَّنًا، كَصِيَامِ رَمَضَانَ فَإِنْ كَانَ مُبْهَمًا كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِأَحَدِهَا نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ مِنْهَا، فَالْأَمْرُ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لَيْسَ لَهَا نَهْيًا عَنِ الْخَصْلَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ وَلَا عَنْ إِحْدَاهُمَا
(٤) أَبُو بَكْرٍ - هُوَ الْبَاقِلَّانِيُّ - وَقَوْلُهُ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ حَقِيقَةً هُوَ كَلَامٌ نَفْسِيٌّ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ، وَأَنَّهُ يَتَنَوَّعُ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقَاتِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ تَعْلِيقًا ص ١٥٣ مِنْ ج١

<<  <  ج: ص:  >  >>