للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا (١) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ.

وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ: فَالْأَمْرُ عِنْدَهُمْ نَفْسُ صِيغَةِ " افْعَلْ " وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عَيْنَ صِيغَةِ " افْعَلْ " لَا تَكُونُ نَهْيًا ; لِأَنَّ صِيغَةَ النَّهْيِ " لَا تَفْعَلْ " وَلَيْسَ إِحْدَاهُمَا عَيْنَ الْأُخْرَى، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ هَلْ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ أَضْدَادِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى.

فَذَهَبَ الْقُدَمَاءُ مِنْ مَشَايِخِ الْمُعْتَزِلَةِ إِلَى مَنْعِهِ، وَمِنَ الْمُعْتَزِلَةِ مَنْ صَارَ إِلَيْهِ، كَالْعَارِضِيِّ (٢) وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمُعْتَبَرِينَ مِنْهُمْ.

وَمَعْنَى كَوْنِهِ نَهْيًا عَنِ الْأَضْدَادِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى عِنْدَهُمْ، أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَقْتَضِي إِيجَادَ الْفِعْلِ، وَالْمَنْعَ مِنْ كُلِّ مَا يُمْنَعُ مِنْهُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ أَمْرِ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ، وَحَكَمَ بِأَنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ أَضْدَادِهِ، وَمُقَبِّحًا لَهَا، لِكَوْنِهَا مَانِعَةً مِنْ فِعْلِ الْوَاجِبِ، بِخِلَافِ الْمَنْدُوبِ.

وَلِهَذَا فَإِنَّ أَضْدَادَ الْمَنْدُوبِ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهَا، لَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ وَلَا نَهْيَ تَنْزِيهٍ.

وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا هُوَ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ إِمَّا أَنْ نَقُولَ بِجَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ، أَوْ لَا نَقُولَ بِهِ، فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِهِ، عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ (رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ) كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ، فَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ لَا يَكُونُ بِعَيْنِهِ نَهْيًا عَنْ أَضْدَادِهِ، وَلَا مُسْتَلْزِمًا لِلنَّهْيِ عَنْهَا، بَلْ جَائِزٌ أَنْ نُؤْمَرَ بِالْفِعْلِ وَبِضِدِّهِ فِي الْحَالَةِ الْوَاحِدَةِ، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ لَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ (٣) .


(١) أَيْ لَيْسَ عَيْنُهُ وَلَا مُسْتَلْزِمًا لَهُ، انْظُرْ مَسْأَلَةَ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ وَالتَّعْلِيقَ عَلَيْهَا فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ
(٢) كَالْعَارِضِيِّ - كَأَنَّ فِيهِ تَحْرِيفًا وَلَعَلَّ الْأَصْلَ كَالْقَاضِي وَهُوَ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْهَمْدَانِيُّ، وَهَذَا الرَّأْيُ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ مَعَ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَانْظُرْهُ
(٣) انْظُرِ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِنْ مَسَائِلِ " الْأَصْلِ الثَّالِثِ فِي الْمَحْكُومِ فِيهِ " وَمَا عَلَيْهَا مِنَ التَّعْلِيقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>