للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ مَنَعْنَا ذَلِكَ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ مُسْتَلْزِمًا لِلنَّهْيِ عَنْ أَضْدَادِهِ، لَا أَنْ يَكُونَ عَيْنُ الْأَمْرِ هُوَ عَيْنَ النَّهْيِ عَنِ الضِّدِّ (١) وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَمْرُ أَمْرَ إِيجَابٍ أَوْ نَدْبٍ.

أَمَّا أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الْأَضْدَادِ، فَلِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا بِتَرْكِ أَضْدَادِهِ.

وَمَا لَا يَتِمُّ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ دُونَ تَرْكِهِ، فَهُوَ وَاجِبُ التَّرْكِ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ لِلْإِيجَابِ، وَمَنْدُوبٌ إِلَى تَرْكِهِ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ لِلنَّدْبِ، عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ.

وَهُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ أَضْدَادِ الْوَاجِبِ يَكُونُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ، وَعَنْ أَضْدَادِ الْمَنْدُوبِ نَهْيَ كَرَاهَةٍ وَتَنْزِيهٍ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَيْنُ الْأَمْرِ هُوَ عَيْنَ النَّهْيِ. فَإِذَا قُلْنَا إِنَّ الْأَمْرَ هُوَ صِيغَةُ (افْعَلْ) فَظَاهِرٌ، عَلَى مَا سَبَقَ (٢) وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا إِنَّ الْأَمْرَ هُوَ الطَّلَبُ الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ، فَلِأَنَّا إِذَا فَرَضْنَا الْكَلَامَ فِي الطَّلَبِ النَّفْسَانِيِّ الْقَدِيمِ، فَهُوَ وَإِنِ اتَّحَدَ عَلَى أَصْلِنَا (٣) فَإِنَّمَا يَكُونُ أَمْرًا بِسَبَبِ تَعَلُّقِهِ بِإِيجَادِ الْفِعْلِ، وَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَا يَكُونُ نَهْيًا، بِسَبَبِ تَعَلُّقِهِ بِتَرْكِ الْفِعْلِ، وَهُمَا بِسَبَبِ التَّغَايُرِ فِي التَّعَلُّقِ وَالْمُتَعَلِّقِ مُتَغَايِرَانِ.

وَإِنْ فَرَضْنَا الْكَلَامَ فِي الطَّلَبِ الْقَائِمِ بِالْمَخْلُوقِ فَهُوَ وَإِنْ تَعَدَّدَ، فَالْأَمْرُ مِنْهُ أَيْضًا إِنَّمَا هُوَ الطَّلَبُ الْمُتَعَلِّقُ بِتَرْكِهِ وَهُمَا غَيْرَانِ.

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْفِعْلِ مُسْتَلْزِمًا لِلنَّهْيِ عَنْ أَضْدَادِهِ لَكَانَ الْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ مُسْتَلْزِمًا لِلنَّهْيِ عَنْ جَمِيعِ الْمُبَاحَاتِ الْمُضَادَّةِ لَهَا، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ حَرَامًا إِنْ كَانَ النَّهْيُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ أَوْ مَكْرُوهَةً إِنْ كَانَ النَّهْيُ نَهْيَ تَنْزِيهٍ.

وَخَرَجَ الْمُبَاحُ عَنْ كَوْنِهِ مُبَاحًا، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكَعْبِيُّ (٤) مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ،


(١) لَمْ يَزِدِ الْآمِدِيُّ فِي اخْتِيَارِهِ التَّفْصِيلَ عَلَى أَنْ بَنَاهُ عَلَى التَّرْدِيدِ بَيْنَ جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ وَمَنْعِهِ، وَلَمْ يَخْتَرْ هُنَا وَاحِدًا مِنْ طَرَفَيِ التَّرْدِيدِ. وَبِذَلِكَ لَا يَكُونُ قَدِ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ قَوْلًا مُعَيَّنًا فِي الْمَسْأَلَةِ
(٢) أَيْ مِنْ أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ افْعَلْ وَصِيغَةَ النَّهْيِ لَا تَفْعَلْ وَلَيْسَتْ إِحْدَاهُمَا عَيْنَ الْأُخْرَى
(٣) أَيِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ تَعْلِيقًا فِي ص ١٥٣ مِنْ ج ١ وَأَنَّ الْكَلَامَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَحَدُهُمَا بِدَلِيلٍ
(٤) تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ تَعْلِيقًا فِي ص ١٢٤ مِنْ ج١

<<  <  ج: ص:  >  >>