بَلْ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَا عَدَا الْعِبَادَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ الْمُضَادَّةِ لَهَا مَنْهِيًّا عَنْهَا وَمُحَرَّمَةً أَوْ مَكْرُوهَةً وَهُوَ مُحَالٌ.
كَيْفَ وَإِنَّ الْآمِرَ بِالْفِعْلِ قَدْ يَكُونُ غَافِلًا عَنْ أَضْدَادِهِ، وَالْغَافِلُ عَنِ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ نَاهِيًا عَنْهُ ; لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ يَسْتَدْعِي الْعِلْمَ بِهِ، وَالْعِلْمُ بِالشَّيْءِ مَعَ الذُّهُولِ عَنْهُ مُحَالٌ.
سَلَّمْنَا أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلنَّهْيِ عَنْ أَضْدَادِهِ، لَكِنْ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنِ الْأَضْدَادِ غَيْرَ الْأَمْرِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ هُوَ بِعَيْنِهِ، كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.
وَمَأْخَذُهُ أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ النَّهْيُ عَنْ أَضْدَادِهِ، فَذَلِكَ النَّهْيُ إِنْ كَانَ هُوَ غَيْرَ الْأَمْرِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ضِدًّا لَهُ أَوْ مِثْلًا (١) أَوْ خِلَافًا. لَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ بِالْمُضَادَّةِ، وَإِلَّا لَمَا اجْتَمَعَا، وَقَدِ اجْتَمَعَا.
وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مِثْلًا لِأَنَّ الْمُتَمَاثِلَاتِ أَضْدَادٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْكَلَامِيَّاتِ.
وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ خِلَافًا، وَإِلَّا جَازَ وُجُودُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، كَمَا فِي الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَلَجَازَ أَنْ يُوجَدَ أَحَدُهُمَا مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ، كَمَا يُوجَدُ الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ مَعَ الْكَرَاهَةِ الْمُضَادَّةِ لِإِرَادَتِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ بِالْحَرَكَةِ الْمُضَادَّةِ لِلسُّكُونِ إِذَا كَانَ النَّهْيُ عَنِ السُّكُونِ مُخَالِفًا لِلْأَمْرِ بِالْحَرَكَةِ أَنْ يَجْتَمِعَ الْأَمْرُ بِالْحَرَكَةِ وَالْأَمْرُ بِالسُّكُونِ الْمُضَادِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَفِيهِ الْأَمْرُ بِالضِّدَّيْنِ مَعًا، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَلَى مَا وَقَعَ بِهِ الْفَرْضُ، وَإِذَا بَطُلَتِ الْمُغَايَرَةُ تَعَيَّنَ الِاتِّحَادُ.
وَعَلَى هَذَا فَالْحَرَكَةُ عَيْنُ تَرْكِ
(١) الضِّدَّانِ هُمَا الْأَمْرَانِ الْوُجُودِيَّانِ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا غَايَةُ الْخِلَافِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ، وَقَدْ يَرْتَفِعَانِ مِثْلَ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَالْمِثْلَانِ مِثْلُ: سَوَادٍ وَسَوَادٍ. وَهُمَا مُتَضَادَّانِ إِنْ نُظِرَ إِلَى أَشْخَاصِهِمَا فِي النَّوْعِ، وَغَيْرُ مُتَضَادَّيْنِ إِنْ نُظِرَ إِلَى نَوْعِ أَشْخَاصِهِمَا، وَإِنِ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ ازْدَادَ النَّوْعُ قُوَّةً بِتَعْدَادِ الْأَشْخَاصِ - انْظُرْ مَبْحَثَ تَعَدُّدِ الْأَحْكَامِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ لِتَعَدُّدِ الْعِلَلِ فِي ص ١٧١ مِنْ ج ٢٠ مِنْ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى لِابْنِ تَيْمِيَّةَ وَانْظُرْ ص ٤١٦ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ مُسْوَدَةِ آلِ تَيْمِيَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute