للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِدَلِيلِ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى (١) الِاجْتِهَادِ، وَاجْتِهَادُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ غَيْرُ مُتَقَاصِرٍ عَنِ اجْتِهَادِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ، فَكَانَ مَعْصُومًا فِيهِ عَنِ الْخَطَإِ. (٢) وَعَنِ الْعَاشِرَةِ: أَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الِاجْتِهَادِ دَائِمًا هُوَ وُجُودُ النَّصِّ لَا إِمْكَانُ وُجُودِ النَّصِّ، ثُمَّ مَا ذَكَرُوهُ مُنْتَقَضٌ بِاجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الاخْتَلاَف فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِمَنْ عَاصَرالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ

اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ بَعْدَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِمَنْ عَاصَرَهُ.

فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى جَوَازِهِ عَقْلًا، وَمَنَعَ مِنْهُ الْأَقَلُّونَ.

ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

الْأَوَّلُ: مِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ لِلْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ فِي غَيْبَتِهِ دُونَ حُضُورِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ مُطْلَقًا.

الثَّانِي: أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ ذَلِكَ مُطْلَقًا إِذَا لَمْ يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الْمَنْعِ بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: السُّكُوتُ عَنْهُ مَعَ الْعِلْمِ بِوُقُوعِهِ كَافٍ.

الثَّالِثُ: اخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِهِ سَمْعًا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ مُتَعَبَّدًا بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا كَالْجُبَّائِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ فِي حَقِّ مَنْ حَضَرَ دُونَ مَنْ غَابَ كَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ.

وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَ مَعَ حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ ظَنًّا لَا قَطْعًا.


(١) عَلَى - وَفِيهِ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ عَنْ، وَالْمَعْنَى إِجْمَاعٌ مُنْعَقِدٌ عَنِ الِاجْتِهَادِ.
(٢) مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ عِصْمَتِهِ عَنِ الْخَطَأِ يَتَنَافَى مَعَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُقُوعِ الِاجْتِهَادِ مِنْهُ، مِنْ ذَلِكَ اسْتِدْلَالُهُ بِاجْتِهَادِهِ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، وَعِتَابِ اللَّهِ لَهُ فِي أَخْذِهِ الْفِدَاءَ، وَإِنْذَارِهِ وَأُمَّتَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) الْآيَتَيْنِ، وَيَتَنَافَى مَعَ مَا اخْتَارَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ جَوَازِ وُقُوعِ الْخَطَأِ مِنْهُ فِي اجْتِهَادِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>