[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ
اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ) فَقَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ إِنَّ لَفْظَ الْقَطْعِ وَالْيَدِ مُجْمَلٌ.
أَمَّا الْإِجْمَالُ فِي الْقَطْعِ فَلِأَنَّهُ يَصْدُقُ إِطْلَاقُهُ عَلَى بَيْنُونَةِ الْعُضْوِ مِنَ الْعُضْوِ، وَعَلَى شَقِّ الْجِلْدِ الظَّاهِرِ مِنَ الْعُضْوِ بِالْجَرْحِ مِنْ غَيْرِ إِبَانَةٍ لِلْعُضْوِ.
وَلِذَلِكَ يُقَالُ عِنْدَمَا إِذَا جَرَحَ يَدَهُ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ، كَبَرْيِ الْقَلَمِ وَغَيْرِهِ " قَطَعَ يَدَهُ "
وَأَمَّا الْإِجْمَالُ فِي الْيَدِ، فَلِأَنَّ لَفْظَ الْيَدِ يُطْلَقُ عَلَى جُمْلَتِهَا إِلَى الْمَنْكِبِ، وَعَلَيْهَا إِلَى الْمِرْفَقِ، وَعَلَيْهَا إِلَى الْكُوعِ، وَلَيْسَ أَحَدُ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ أَظْهَرَ مِنَ الْآخَرِ، فَكَانَ لَفْظُ الْيَدِ وَالْقَطْعُ مُجْمَلًا.
وَذَهَبَ الْبَاقُونَ إِلَى خِلَافِهِ مُتَمَسِّكِينَ فِي ذَلِكَ بِالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ:
أَمَّا الْإِجْمَالُ: فَهُوَ أَنَّ إِطْلَاقَ لَفْظِ الْيَدِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْمَحَامِلِ، وَكَذَلِكَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْقَطْعِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْكُلِّ أَوْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْبَعْضِ مَجَازٌ فِي الْبَعْضِ، فَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْكُلِّ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا، أَوْ مُتَوَاطِئًا: الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ يَلْزَمُ مِنْهُ الْإِجْمَالُ فِي الْكَلَامِ، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ، فَلَيْسَ بِمُجْمَلٍ.
كَيْفَ وَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الِاشْتِرَاكُ الْأَصْلَ، إِلَّا أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ ثَلَاثَةٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا إِجْمَالَ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرَيْنِ مِنْهَا. وَهُمَا حَالَةُ التَّوَاطُؤِ وَالتَّجَوُّزِ فِي أَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْإِجْمَالُ عَلَى تَقْدِيرِ الِاشْتِرَاكِ، وَهُوَ مُتَّحِدٌ، وَوُقُوعُ احْتِمَالٍ مِنَ احْتِمَالَيْنِ أَغْلَبُ مِنْ وُقُوعِ احْتِمَالٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ.
وَإِذَا كَانَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَيَجِبُ اعْتِقَادُ كَوْنِهِ ظَاهِرًا فِي كُلِّ الْعُضْوِ ضَرُورَةَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ ظُهُورِهِ فِيمَا سِوَاهُ، أَمَّا عِنْدَ الْخَصْمِ، فَلِدَعْوَاهُ الْإِجْمَالَ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلِمَصِيرِنَا إِلَى نَفْيِ الظُّهُورِ عَنْهُ وَانْحِصَارِهِ فِي جُمْلَةِ مُسَمَّى الْعُضْوِ.