للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الثانية كَوْنِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ الْمُجَرَّدَةِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ

اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ كَوْنِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ الْمُجَرَّدَةِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ (١) ، أَيْ مُشْتَمِلَةً عَلَى حِكْمَةٍ صَالِحَةٍ أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَتْ وَصْفًا طَرْدِيًّا لَا حِكْمَةَ فِيهِ بَلْ أَمَارَةً مُجَرَّدَةً فَالتَّعْلِيلُ بِهَا فِي الْأَصْلِ مُمْتَنِعٌ لِوَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْأَمَارَةِ سِوَى تَعْرِيفِ الْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ مَعْرُوفٌ بِالْخِطَابِ لَا بِالْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْهُ.

الثَّانِي: أَنَّ عِلَّةَ الْأَصْلِ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ وَمُتَفَرِّعَةٌ عَنْهُ، فَلَوْ كَانَتْ مُعَرِّفَةً لِحُكْمِ الْأَصْلِ لَكَانَ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهَا وَمُتَفَرِّعًا عَنْهَا، وَهُوَ دَوْرٌ مُمْتَنِعٌ.

[الْمَسْأَلَةُ الثالثة الْحُكْمِ بِالْحِكْمَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الضَّابِطِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ

ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى امْتِنَاعِ الْحُكْمِ بِالْحِكْمَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الضَّابِطِ (٢) وَجَوَّزَهُ الْأَقَلُّونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ الْحِكْمَةِ الظَّاهِرَةِ الْمُنْضَبَةِ بِنَفْسِهَا وَالْحِكْمَةِ الْخَفِيَّةِ الْمُضْطَرِبَةِ، فَجَوَّزَ التَّعْلِيلَ بِالْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ.


(١) اخْتَارَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ لَا لِأَمَارَةٍ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَلَّفِ مُنَاسِبًا فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي ثَبَتَ الْحُكْمُ مِنْ أَجْلِهِ يَبْعَثُ الْمُكَلَّفَ عَلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ، لَكِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ فِي حَقِّ اللَّهِ بِالْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمَ أَدَبًا مَعَ اللَّهِ.
قَالَ فِي مُسَوَّدَةِ آلِ تَيْمِيَّةَ: قَدْ أَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْحُلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ: أَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ إِنَّمَا هِيَ أَمَارَاتٌ وَعَلَامَاتٌ نَصَبَهَا اللَّهُ أَدِلَّةً عَلَى الْأَحْكَامِ فَهِيَ تَجْرِي مَجْرَى الْأَسْمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْكَلَامُ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، ثُمَّ قَالَ: ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ أَمَارَاتٍ فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ لِمَصَالِحَ وَدَافِعَةٌ لِمَفَاسِدَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَمَارَاتِ السَّاذَجَةِ الْعَاطِلَةِ عَنِ الْإِيجَابِ
(٢) الْمُرَادُ بِالضَّابِطِ هُنَا الْوَصْفُ الظَّاهِرُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>