وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الْوَصْفُ الْوَاحِدُ مُنَاسِبًا لِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يُنَاسِبَهُمَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ مِنْ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَهُوَ مُمْتَنِعٌ ; إِذِ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا لِشَيْءٍ مِنْ جِهَةِ مَا يُنَاسِبُ مُخَالِفَهُ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فِعِلَّةُ الْحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَةٌ لَا أَنَّهَا مُتَّحِدَةٌ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ مَعْنَى الْمُنَاسِبِ لِلْحُكْمِ أَعَمُّ مِمَّا ذَكَرُوهُ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا تَرْتِيبُ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ عَلَيْهِ، يَسْتَقِلُّ بِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ، وَذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ كَوْنُهُ مُنَاسِبًا لِحُكْمَيْنِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَإِلَى مَا يَتَوَقَّفُ حُصُولُ مَقْصُودِهِ عَلَى تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَافِيًا بِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ دُونَ الْحُكْمِ الْآخَرِ.
وَعَلَى هَذَا فَامْتِنَاعُ مُنَاسِبَةِ الْوَصْفِ الْوَاحِدِ لِلْحُكْمَيْنِ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ لَازِمًا فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا لِلْحُكْمَيْنِ بِالتَّفْسِيرِ الثَّانِي.
وَعَنِ الْإِشْكَالِ الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا عُرِفَ أَنَّ مَعْنَى مُنَاسِبَةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمَيْنِ تَوَقُّفُ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ عَلَى شَرْعِ الْحُكْمَيْنِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ مُنَاسِبًا لَهُمَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ.
[الْمَسْأَلَةُ الرابعة عشرة شرط الْعِلَّة إذا كَانَتِ فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ
إِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ، كَمَا قَرَّرْنَاهُ، فَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ ضَابِطُ الْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ لِلشَّرْعِ مِنْ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ أَوْ نَفْيِهِ بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ (١) إِثْبَاتُ الْحُكْمِ مَعَ تَيَقُّنِ انْتِفَاءِ الْحِكْمَةِ فِي صُورَةٍ، وَإِلَّا كَانَ فِيهِ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ مَعَ انْتِفَاءِ الْحِكْمَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ يَقِينًا، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَمِثَالُهُ مَا لَوْ قِيلَ بِأَنَّ حِكْمَةَ الْقِصَاصِ إِنَّمَا هِيَ صِيَانَةُ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ عَنِ الْفَوَاتِ، فَمَنْ ضَبَطَ صِيَانَةَ النَّفْسِ عَنِ الْفَوَاتِ بِالْجُرْحِ لَا غَيْرَ، كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ، فَيَلْزَمُهُ شَرْعُ الْقِصَاصِ فِي حَقِّ مَنْ جَرَحَ مَيِّتًا ضَرُورَةَ وُجُودِ الضَّابِطِ مَعَ تَيَقُّنِ انْتِفَاءِ الْحِكْمَةِ أَوْ نَفْيِ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ عِلَّتِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.
فَإِنْ قِيلَ: وَإِنْ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي صُورَةٍ بِدُونِ حِكْمَةٍ وَاحِدَةٍ.
(١) أَيِ الْوَصْفُ الَّذِي جُعِلَ ضَابِطًا لِلْحِكْمَةِ