للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْفَصْلُ الْخَامِسُ الْحُكْمِ إِذَا ثَبَتَ لِوَصْفٍ مَصْلَحِيٍّ عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ مَفْسَدَةٍ مُسَاوِيَةٍ لَهُ أَوْ رَاجِحَةٍ عَلَيْهِ]

الْفَصْلُ الْخَامِسُ (١) اخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ إِذَا ثَبَتَ لِوَصْفٍ مَصْلَحِيٍّ عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ مَفْسَدَةٍ مُسَاوِيَةٍ لَهُ أَوْ رَاجِحَةٍ عَلَيْهِ، هَلْ تَنْخَرِمُ مُنَاسَبَتُهُ أَوْ لَا؟ فَأَثْبَتَهُ قَوْمٌ وَنَفَاهُ آخَرُونَ.

وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِبَقَاءِ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ مُنَاسَبَةَ الْوَصْفِ تَنْبَنِي عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَالْمَصْلَحَةُ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ لَا تَخْتَلُّ (٢) بِمُعَارَضَةِ الْمَفْسَدَةِ، وَدَلِيلُهُ (٣) أَنَّ الْمَصْلَحَةَ وَالْمَفْسَدَةَ الْمُتَعَارِضَتَانِ إِمَّا أَنْ يَتَسَاوَيَا أَوْ تَتَرَجَّحُ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ: فَإِمَّا أَنْ تُبْطَلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْأُخْرَى، أَوْ أَنْ تُبْطَلَ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، أَوْ لَا تُبْطَلَ وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِالْأُخْرَى. الْأَوَّلُ مُحَالٌ ; لِأَنَّ عَدَمَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِنَّمَا هُوَ بِوُجُودِ الْأُخْرَى، وَذَلِكَ يَجُرُّ إِلَى وُجُودِهِمَا مَعَ عَدَمِهِمَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِلَّةَ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مُتَحَقِّقَةً مَعَ الْمَعْلُولِ. وَالثَّانِي مُحَالٌ (٤) ; لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَالثَّالِثُ (٥) هُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا أَرْجَحَ مِنَ الْأُخْرَى فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إِبْطَالُ الْمَرْجُوحَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ، وَلَا مُنَافَاةَ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ جَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّ الرَّاجِحَةَ مِنْهُمَا إِذَا كَانَتْ مُعَارَضَةً بِالْمَرْجُوحَةِ، فَإِمَّا أَنْ يَنْتَفِيَ شَيْءٌ مِنَ الرَّاجِحَةِ لِأَجْلِ الْمَرْجُوحَةِ أَوْ لَا يَنْتَفِي مِنْهَا شَيْءٌ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَهُوَ مُحَالٌ أَنْ تَتَسَاوَيَا لِمَا سَبَقَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ انْتِفَاءُ بَعْضِ الرَّاجِحِ وَبَقَاءُ بَعْضِهِ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ ; ضَرُورَةَ التَّسَاوِي فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ تَفَاوَتَا، فَالْكَلَامُ فِي الرَّاجِحِ كَالْكَلَامِ فِي


(١) انْظُرْ ص ٢٩٠ - ٣٠٦ ج١٩ مِنْ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى لِابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَالْجُزْءَ الثَّانِي مِنَ الْمُوَافِقَاتِ، وَمَبْحَثَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي مِنَ الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْهَا.
(٢) لَا تَخْتَلُّ - الْجُمْلَةُ خَبَرٌ ثَانٍ لِلْمَصْلَحَةِ.
(٣) وَدَلِيلُهُ - دَلِيلُ قَوْلِهِ: " الْمَصْلَحَةُ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ لَا تَخْتَلُّ إِلَخْ.
(٤) وَالثَّانِي مُحَالٌ، تَحْتَهُ صُورَتَانِ: الْأُولَى: بُطْلَانُ الْمَصْلَحَةِ بِالْمَفْسَدَةِ دُونَ الْعَكْسِ، وَالثَّانِي بُطْلَانُ الْمَفْسَدَةِ بِالْمَصْلَحَةِ دُونَ الْعَكْسِ، وَعِلَّةُ الْبُطْلَانِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ هِيَ عَدَمُ الْأَوْلَوِيَّةِ.
(٥) هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ رَابِعٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنِ الثَّانِي تَحْتَهُ صُورَتَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>