للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَبَ فَإِنَّمَا يَجِبُ بِدَلِيلٍ آخَرَ مُوجِبٍ لِطَاعَةِ الرَّسُولِ فِيمَا يَحْكُمُ بِهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَنَفْيًا لِمَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَتِهِ مِنْ تَحْقِيرِهِ وَهَضْمِهِ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ الْمَبْعُوثِ إِلَيْهِمْ، الْمُفْضِي إِلَى الْإِخْلَالِ بِمَقْصُودِ الْبِعْثَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لِأَحَدِ عَبْدَيْهِ: " أَوْجَبْتُ عَلَيْكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنَ الْعَبْدِ الْآخَرِ كَذَا " وَيَقُولُ لِلْآخَرِ: " حَرَّمْتُ عَلَيْكَ مُوَافَقَتَهُ " مِنْ غَيْرِ مُنَاقَضَةٍ فِيمَا أَوْجَبَهُ، وَلَوْ كَانَ إِيجَابُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ إِيجَابًا عَلَى الْعَبْدِ الْآخَرِ لَكَانَ تَنَاقُضًا.

فَإِنْ قِيلَ وُجُوبُ الْأَخْذِ إِنَّمَا يَتِمُّ بِالْإِعْطَاءِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.

قُلْنَا: إِنْ كَانَ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِ الطَّلَبِ فَهُوَ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى الْإِعْطَاءِ.

وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِ الْأَخْذِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ دُونَ الْإِعْطَاءِ فَلَيْسَ كُلُّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ يَكُونُ وَاجِبًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَقْدُورًا لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ، وَإِعْطَاءُ الْغَيْرِ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا.

[الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ إِذَا أَمَرَ بِفِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ فِي اللَّفْظِ بِقَيْدٍ خَاصٍّ]

الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (١) إِذَا أَمَرَ بِفِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ فِي اللَّفْظِ بِقَيْدٍ خَاصٍّ

قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْأَمْرُ إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِالْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا، وَذَلِكَ كَالْأَمْرِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ أَمْرًا بِالْبَيْعِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَلَا بِثَمَنِ الْمَثَلِ إِذْ هُمَا مُتَّفِقَانِ فِي مُسَمَّى الْبَيْعِ وَمُخْتَلِفَانِ بِصِفَتِهِمَا.

وَالْأَمْرُ إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِمَا تَخَصَّصَ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْأَعَمِّ مُتَعَلِّقًا بِالْأَخَصِّ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تَدُلَّ الْقَرِينَةُ عَلَى إِرَادَةِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ.

قَالَ: وَلِذَلِكَ قُلْنَا إِنَّ الْوَكِيلَ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ.

وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الْجُزْئِيَّاتِ مَعْنًى كُلِّيٌّ لَا تَصَوُّرَ لِوُجُودِهِ فِي الْأَعْيَانِ وَإِلَّا كَانَ مَوْجُودًا فِي جُزْئِيَّاتِهِ.

وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ انْحِصَارُ مَا يَصْلُحُ اشْتِرَاكُ كَثِيرِينَ فِيهِ فِيمَا لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهُوَ مُحَالٌ.


(١) انْظُرْ ص ١٩٦ مِنْ ج ٢٠ وَص ٢٩٩ مِنْ ج ١٩ مِنْ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى، وَص ٩٨ مِنْ مُسَوَّدَةِ آلِ تَيْمِيَةَ ط الْمَدَنِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>