للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة السادسة إِجْرَاءِ الْقِيَاسِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ]

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ

اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ إِجْرَاءِ الْقِيَاسِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَأَثْبَتَهُ بَعْضُ الشُّذُوذِ مَصِيرًا مِنْهُ إِلَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلِهَذَا تَدْخُلُ جَمِيعُهَا تَحْتَ حَدٍّ وَاحِدٍ، وَهُوَ حَدُّ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَتَشْتَرِكُ فِيهِ، وَقَدْ جَازَ عَلَى بَعْضِهَا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ، وَمَا جَازَ عَلَى بَعْضِ الْمُتَمَاثِلَاتِ كَانَ جَائِزًا عَلَى الْبَاقِي، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ.

وَذَلِكَ أَنَّهُ وَإِنْ دَخَلَتْ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ تَحْتَ حَدِّ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَكَانَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ جِنْسًا لَهَا غَيْرَ أَنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ وَمُتَمَايِزَةٌ بِأُمُورٍ مُوجِبَةٍ لِتَنَوُّعِهَا.

وَعَلَى هَذَا فَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ مَا جَازَ عَلَى بَعْضِهَا وَثَبَتَ لَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِيَّتِهِ وَتَعَيُّنِهِ، لَا بِاعْتِبَارِ مَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ وَهُوَ عَامٌّ لَهَا.

كَيْفَ وَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَمْتَنِعُ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا امْتِنَاعَ إِجْرَاءِ الْقِيَاسِ فِي الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ الشَّارِعِ عَلَى الْوَصْفِ بِكَوْنِهِ سَبَبًا وَشَرْطًا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ.

الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ إِلَى أَمْرٍ مُمْتَنِعٍ، فَكَانَ مُمْتَنِعًا.

وَبَيَانُ لُزُومِ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ قِيَاسٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَصْلٍ يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ - عَلَى مَا عُلِمَ - فَلَوْ كَانَ كُلُّ حُكْمٍ يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ لَكَانَ حُكْمُ أَصْلِ الْقِيَاسِ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ أَصْلِ أَصْلِهِ، فَإِنْ تَسَلْسَلَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ امْتَنَعَ وُجُودُ قِيَاسٍ مَا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى أُصُولٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَإِنِ انْتَهَى إِلَى أَصْلٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقِيَاسِ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ، فَهُوَ خِلَافُ الْفَرْضِ (١) .

الثَّالِثُ: أَنَّ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا ثَبَتَ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى كَضَرْبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَنَحْوِهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِجْرَاءُ الْقِيَاسِ فِيهِ مُتَعَذِّرٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فَرْعُ تَعَقُّلِ عِلَّةِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَتَعْدِيَتِهَا إِلَى الْفَرْعِ فَمَا لَا يُعْقَلُ لَهُ عِلَّةٌ فَإِثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ يَكُونُ مُمْتَنِعًا.


(١) انْظُرِ الْمُعَارَضَةَ الثَّامِنَةَ مِنْ مُعَارَضَاتِ مَانِعِي الْقِيَاسِ ص ١١ وَجَوَابَهَا ص ١٨ ج٤، وَانْظُرْ ذَلِكَ أَيْضًا فِي ص٧٠٨ - ٧٠٩ الْجُزْءُ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْمُعْتَمِدِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>