للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنِ السَّادِسَةِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَشَقَّةِ مِنْ حَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى التَّكْرَارِ، إِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ مُنَافِيًا لَهُ أَوْ يَكُونَ مُنَافِيًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا اتِّجَاهَ لِمَا ذَكَرُوهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَغَايَتُهُ تَعَذُّرُ الْعَمَلِ بِالْأَمْرِ فِي التَّكْرَارِ عِنْدَ لُزُومِ الْحَرَجِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ قَرِينَةً مَانِعَةً مِنْ صَرْفِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ امْتِنَاعُ احْتِمَالِهِ لَهُ لُغَةً.

وَجَوَابُ شُبْهَةِ الْقَائِلِينَ بِالْوَقْفِ مَا سَبَقَ فِي جَوَابِ مَنْ تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْأَمْرُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ

الْأَمْرُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ كَقَوْلِهِ: (إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَصَلُّوا) (١) أَوْ صِفَةٍ كَقَوْلِهِ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} هَلْ يَقْتَضِي تَكْرَارَ الْمَأْمُورِ بِهِ بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ وَالصِّفَةِ أَمْ لَا؟

فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَهُوَ هَاهُنَا أَوْلَى، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ اخْتَلَفُوا هَاهُنَا: فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ.

وَقَبْلَ الْخَوْضِ فِي الْحِجَاجِ لَا بُدَّ مِنْ تَلْخِيصِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَنَقُولُ: مَا عُلِّقَ بِهِ الْمَأْمُورُ مِنَ الشَّرْطِ أَوِ الصِّفَةِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ ثَبَتَ كَوْنُهُ عِلَّةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِوُجُوبِ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَالزِّنَا، أَوْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، بَلِ الْحُكْمُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ لَهُ فِيهِ، كَالْإِحْصَانِ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ فِي الزِّنَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالِاتِّفَاقُ وَاقِعٌ عَلَى تَكَرُّرِ الْفِعْلِ بِتَكَرُّرِهِ نَظَرًا إِلَى تَكَرُّرِ الْعِلَّةِ، وَوُقُوعُ الِاتِّفَاقِ عَلَى التَّعَبُّدِ بِاتِّبَاعِ الْعِلَّةِ، مَهْمَا وُجِدَتْ، فَالتَّكْرَارُ مُسْتَنِدٌ إِلَى تَكْرَارِ الْعِلَّةِ، لَا إِلَى الْأَمْرِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي، فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا تَكْرَارَ.

وَقَدِ احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ بِحُجَجٍ وَاهِيَةٍ، لَا بُدَّ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا، وَعَلَى مَا فِيهَا، ثُمَّ نَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، الْحُجَّةُ الْأُولَى أَنَّهُمْ قَالُوا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ أَوِ الصِّفَةِ لَا يَقْتَضِي تَكْرَارَ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: " إِنْ جَاءَ زَيْدٌ جَاءَ عَمْرٌو " فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَكَرُّرُ مَجِيءِ عَمْرٍو فِي تَكَرُّرِ مَجِيءِ زَيْدٍ، فَكَذَلِكَ فِي الْأَمْرِ، وَهِيَ بَاطِلَةٌ، فَإِنَّ حَاصِلَهَا يَرْجِعُ إِلَى الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ، وَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ (٢) .


(١) لَوْ مَثَّلَ بِأَمْثِلَةٍ مِنَ النُّصُوصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: " إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمُ " الْآيَةُ وَقَوْلُهُ: " وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا " الْآيَةُ لَكَانَ أَوْلَى
(٢) انْظُرِ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الْقِسْمَةِ الرَّابِعَةِ لِلْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ - ج ١

<<  <  ج: ص:  >  >>