للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْقَاعِدَةُ الثَّالثة فِي الْمُجْتَهِدِينَ وَأَحْوَالِ الْمُفْتِينَ وَالْمُسْتَفْتِينَ]

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْمُجْتَهِدِينَ]

[مُقَدِّمَةُ فِي تَعْرِيفِ مَعْنَى الِاجْتِهَادِ وَالْمُجْتَهِدِ وَالْمُجْتَهَدِ فِيهِ]

الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ

فِي الْمُجْتَهِدِينَ وَأَحْوَالِ الْمُفْتِينَ وَالْمُسْتَفْتِينَ وَتَشْتَمِلُ عَلَى بَابَيْنِ:

الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي الْمُجْتَهِدِينَ

وَيَشْتَمِلُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَمَسَائِلَ:

أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ: فَفِي تَعْرِيفِ مَعْنَى الِاجْتِهَادِ، وَالْمُجْتَهِدِ، وَالْمُجْتَهَدِ فِيهِ.

أَمَّا (الِاجْتِهَادُ) : فَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي تَحْقِيقِ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ مُسْتَلْزِمٍ لِلْكُلْفَةِ وَالْمَشَقَّةِ، وَلِهَذَا يُقَالُ: اجْتَهَدَ فُلَانٌ فِي حَمْلِ حَجَرِ الْبِزَارَةِ، وَلَا يُقَالُ: اجْتَهَدَ فِي حَمْلِ خَرْدَلَةٍ.

وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ فَمَخْصُوصٌ بِاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي طَلَبِ الظَّنِّ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ يُحَسُّ مِنَ النَّفْسِ الْعَجْزُ عَنِ الْمَزِيدِ فِيهِ.

فَقَوْلُنَا: (اسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ) كَالْجِنْسِ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالْأُصُولِيِّ، وَمَا وَرَاءَهُ خَوَاصٌّ مُمَيِّزَةٌ لِلِاجْتِهَادِ بِالْمَعْنَى الْأُصُولِيِّ.

وَقَوْلُنَا: (فِي طَلَبِ الظَّنِّ) احْتِرَازٌ عَنِ الْأَحْكَامِ الْقَطْعِيَّةِ.

وَقَوْلُنَا: (بِشَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ) لِيَخْرُجَ عَنْهُ الِاجْتِهَادُ فِي الْمَعْقُولَاتِ وَالْمُحَسَّاتِ وَغَيْرِهَا.

وَقَوْلُنَا: (بِحَيْثُ يُحَسُّ مِنَ النَّفْسِ الْعَجْزُ عَنِ الْمَزِيدِ فِيهِ) لِيَخْرُجَ عَنْهُ اجْتِهَادُ الْمُقَصِّرِ فِي اجْتِهَادِهِ مَعَ إِمْكَانِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ اجْتِهَادًا مُعْتَبَرًا.

وَأَمَّا: (الْمُجْتَهِدُ) فَكُلُّ مَنِ اتَّصَفَ بِصِفَةِ الِاجْتِهَادِ وَلَهُ شَرْطَانِ. (١) الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَعْلَمَ وُجُودَ الرَّبِّ تَعَالَى وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنَ الصِّفَاتِ، وَيَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْكَمَالَاتِ، وَأَنَّهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ، حَيٌّ، عَالِمٌ، قَادِرٌ، مُرِيدٌ، مُتَكَلِّمٌ، حَتَّى يَتَصَوَّرَ مِنْهُ التَّكْلِيفَ، وَأَنْ يَكُونَ مُصَدِّقًا بِالرَّسُولِ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الشَّرْعِ


(١) هَذَا بَيَانٌ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ وَلِشُرُوطِهِ، أَمَّا مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ وَيُقَالُ لَهُ الْمُجْتَهِدُ الْمُقَيَّدُ فَهُوَ الَّذِي يَسْتَنْبِطُ الْأَحْكَامَ مِنْ أَدِلَّتِهَا بِنَاءً عَلَى قَوَاعِدِ إِمَامِ مَذْهَبِهِ، وَيَسْتَخْرِجُ الْوُجُوهَ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمَنْصُوصَةِ عَنْ إِمَامِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>