للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: بَلِ الْمَحْذُورُ اللَّازِمُ مِنْ نَفْيِ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ مَا يَقْتَضِيهِ مُخَالَفَةُ الْمُقْتَضِي لَا غَيْرَ، وَهُوَ غَالِبٌ فِي الشَّرْعِ وَمَحْذُورُ التَّأْكِيدِ مَعَ كَوْنِهِ نَادِرًا، فِيهِ مُخَالَفَةُ مَا ظَهَرَ مِنْ مُنَاسَبَةِ الْمَانِعِ وَاعْتِبَارِهِ، مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ الشَّارِعِ اعْتِبَارُ الْمُنَاسَبَاتِ لَا إِلْغَاؤُهَا.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْتِزَامَ مَحْذُورٍ عُهِدَ الْتِزَامُهُ فِي الشَّرْعِ غَالِبًا، وَلَيْسَ فِيهِ الْتِزَامُ مَحْذُورٍ آخَرَ، أَوْلَى مِنَ الْتِزَامِ مَحْذُورٍ لَمْ يُعْهَدِ الْتِزَامُهُ فِي الشَّرْعِ غَالِبًا وَفِيهِ الْتِزَامُ مَحْذُورٍ آخَرَ.

[الْمَسْأَلَةُ الثامنة عشرة الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مِنَ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ بِهَا]

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ

يَجِبُ أَنْ لَا تَكُونَ الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مِنَ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ بِهَا مِمَّا تَرْجِعُ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي اسْتُنْبِطَتْ مِنْهُ بِالْإِبْطَالِ.

وَذَلِكَ كَتَعْلِيلِ وُجُوبِ الشَّاةِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ بِدَفْعِ حَاجَةِ الْفُقَرَاءِ ; لِمَا فِيهِ مِنْ رَفْعِ وُجُوبِ الشَّاةِ (١) وَإِنَّ ارْتِفَاعَ الْأَصْلِ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ يُوجِبُ إِبْطَالَ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْهُ ضَرُورَةَ تَوَقُّفِ عِلِّيَّتِهَا عَلَى اعْتِبَارِهَا بِهِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ طَرْدِيَّةً مَحْضَةً كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَنَحْوِهِ ; لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِمَعْنَى الْبَاعِثِ، وَالْوَصْفِ الطَّرْدِيِّ (٢) لَا يَكُونُ بَاعِثًا، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْفَرْعِ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِمَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ ثَابِتٌ لَهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي الْوَصْفِ الطَّرْدِيِّ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا فِي الْأَصْلِ مُعَارِضٌ لَا تَحَقُّقَ لَهُ فِي الْفَرْعِ لِمَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ، وَأَنْ لَا تَكُونَ مُخَالِفَةً لِلنَّصِّ الْخَاصِّ أَوْ لِلْإِجْمَاعِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الشُّرُوطِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا.

وَقَدِ اشْتُرِطَ فِيهَا أَنْ لَا تَكُونَ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ الْقُرْآنِ، وَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ (٣) وَأَنْ لَا تُعَارِضَهَا عِلَّةٌ أُخْرَى تَقْتَضِي نَقِيضَ حُكْمِهَا.


(١) بَيَانُهُ أَنَّ وُجُوبَ الشَّاةِ زَكَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مُجَرَّدَ دَفْعِ حَاجَةِ الْفُقَرَاءِ وَلَوْ بِبَذْلِ الْقِيمَةِ ارْتَفَعَ وُجُوبُ الشَّاةِ عَلَى التَّعْيِينِ فِي الزَّكَاةِ
(٢) الْعِلَّةُ الطَّرْدِيَّةُ أَوِ الْوَصْفُ الطَّرْدِيُّ هُوَ الَّذِي لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَعْنًى مُنَاسِبٍ يَقْتَضِي بِنَاءَ الْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ كَالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ
(٣) تَقَدَّمَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ مَسَائِلِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْأَدِلَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>