[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ كَذَا]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ
اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ: مِنَ السُّنَّةِ كَذَا.
فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافًا لِأَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ (١) مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمُخْتَارُ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ، وَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُسَالَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
فَإِنْ قِيلَ اسْمُ السُّنَّةِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ سُنَّةِ النَّبِيِّ، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، عَلَى مَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي، عُضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» ".
وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ، فَلَا يَكُونُ صَرْفُهُ إِلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ.
قُلْنَا: وَإِنْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ إِطْلَاقِ السُّنَّةِ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ، غَيْرَ أَنَّ احْتِمَالَ إِرَادَةِ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلٌ، وَسُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ تَبَعٌ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَقْصُودُ الصَّحَابِيِّ إِنَّمَا هُوَ بَيَانُ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ إِسْنَادَ مَا قُصِدَ بَيَانُهُ إِلَى الْأَصْلِ أَوْلَى مِنْ إِسْنَادِهِ إِلَى التَّابِعِ.
الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ مِنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ السُّنَّةِ فِي كَلَامِ الصَّحَابِيِّ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى.
(١) أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ دَلَهُمِ بْنِ دَلَالٍ الْبَغْدَادِيُّ الْحَنَفِيُّ مَاتَ ٣٤٠ عَنْ ٨٠ سَنَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute