للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْقِسْمُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ]

وَقَدِ اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى جَوَازِ حُكْمِ الْأَصْلِ بِالْأَوْصَافِ الظَّاهِرَةِ الْجَلِيَّةِ الْعَرِيَّةِ عَنِ الِاضْطِرَابِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْوَصْفُ مَعْقُولًا كَالرِّضَا وَالسُّخْطِ، أَمْ مُحَسًّا كَالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ، أَمْ عُرْفِيًّا كَالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَوْجُودًا فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ كَمَا ذُكِرَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ، أَمْ مُلَازِمًا لَهُ غَيْرَ مَوْجُودٍ فِيهِ كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأَمَةِ لِعِلَّةِ رِقِّ الْوَلَدِ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي شُرُوطٍ، فَلْنَفْرِضْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَسْأَلَةً.

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى شَرْطَ عِلَّةِ الْأَصْلِ]

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى

ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ شَرْطَ عِلَّةِ الْأَصْلِ (١) أَلَّا يَكُونَ مَحَلَّ حُكْمِ الْأَصْلِ وَلَا جُزْءً مِنْ مَحَلِّهِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى جَوَازِهِ، وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا هُوَ التَّفْصِيلُ وَهُوَ امْتِنَاعُ ذَلِكَ فِي الْمَحَلِّ دُونَ الْجُزْءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا هُوَ وَاقِعٌ فِي عِلَّةِ أَصْلِ الْقِيَاسِ، فَلَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهِ هِيَ مَحَلَّ حُكْمِ الْأَصْلِ بِخُصُوصِهِ لَكَانَتِ الْعِلَّةُ قَاصِرَةً لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ مَحَلِّ حُكْمِ الْأَصْلِ بِخُصُوصِهِ مُتَحَقِّقًا فِي الْفَرْعِ، وَإِلَّا كَانَ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ مُتَّحِدًا وَهُوَ مُحَالٌ.

نَعَمْ، إِنَّمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا لَمْ تَكُنْ عِلَّةُ حُكْمِ الْأَصْلِ مُتَعَدِّيَةً ; لِأَنَّهُ لَا يُعَدَّ فِي اسْتِلْزَامِ مَحَلِّ الْحُكْمِ لِحِكْمَةٍ دَاعِيَةٍ إِلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ كَاسْتِلْزَامِ الْأَوْصَافِ الْعَامَّةِ لِمَحَلِّ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ.

وَأَمَّا الْجُزْءُ فَلَا يَمْتَنِعُ التَّعْلِيلُ بِهِ لِاحْتِمَالِ عُمُومِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ.


(١) عِلَّةُ الْأَصْلِ أَيْ عِلَّةٌ بِحُكْمِ الْأَصْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>