للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَى ضَرُورِيَّتِهَا، كَالْعِلْمِ بِأَنْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْوَاحِدَ أَقَلُّ مِنَ الِاثْنَيْنِ وَنَحْوِهِ، وَبَيْنَ الْعِلْمِ الْحَاصِلِ بِخَبَرِ اللَّهِ وَخَبَرِ رَسُولِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلْمٌ.

وَمَعَ ذَلِكَ مَا لَزِمَ مِنْ كَوْنِ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ ضَرُورِيَّةً أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ مِنْ خَبَرِ اللَّهِ وَخَبَرِ رَسُولِهِ ضَرُورِيًّا، وَلَا مِنْ كَوْنِ خَبَرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ غَيْرَ ضَرُورِيٍّ، أَنْ تَكُونَ الْعُلُومُ الضَّرُورِيَّةُ غَيْرَ ضَرُورِيَّةٍ.

وَإِذَا عُرِفَ ضَعْفُ الْمَأْخَذِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَتَقَاوُمُ الْكَلَامِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْوَاجِبَ إِنَّمَا هُوَ الْوَقْفُ عَنِ الْجَزْمِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ خَبَرَ التَّوَاتُرِ لَا يُوَلِّدُ الْعِلْمَ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ

اتَّفَقَتِ الْأَشَاعِرَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَجَمِيعُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ خَبَرَ التَّوَاتُرِ لَا يُوَلِّدُ الْعِلْمَ خِلَافًا لِبَعْضِ النَّاسِ.

وَقَدِ اعْتَمَدَ الْقَائِلُونَ بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ عَلَى مَسْلَكَيْنِ ضَعِيفَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ كَانَ خَبَرُ التَّوَاتُرِ مُوَلِّدًا لِلْعِلْمِ، فَالْعِلْمُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَوَلِّدًا مِنَ الْخَبَرِ الْأَخِيرِ أَوْ مِنْهُ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَضِّيَةِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَهُوَ مُحَالٌ وَإِلَّا لَتَوَلَّدَ مِنْهُ بِتَقْدِيرِ انْفِرَادِهِ.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ مُتَعَدِّدَةٌ وَالْمُسَبِّبُ الْوَاحِدُ لَا يَصْدُرُ عَنْ سَبَبَيْنِ، كَمَا لَا يَكُونُ مَخْلُوقًا بَيْنَ خَالِقَيْنِ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَلِّدًا عَنِ الْخَبَرِ الْأَخِيرِ مَشْرُوطًا بِتَقَدُّمِ مَا وُجِدَ مِنَ الْأَخْبَارِ قَبْلَهُ وَعَدِمَتْ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا عَنِ الْجَمِيعِ فَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَلِّدًا عَنِ الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَهِيَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا أَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ عَنْ كُلٍّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَخْبَارِ. وَهَذَا مِمَّا لَا مَدْفَعَ لَهُ.

نَعَمْ لَوْ قِيلَ أَنَّ تَوَلُّدَهُ مِنْ جَمِيعِ الْأَخْبَارِ مُمْتَنِعٌ ضَرُورَةَ أَنَّ مَا تَقَضَّى مِنَ الْأَخْبَارِ مَعْدُومٌ وَلَا تَوَلَّدَ عَنِ الْمَعْدُومِ كَانَ مُتَّجِهًا.

الْمَسْلَكُ الثَّانِي، أَنَّهُمْ قَالُوا: قَدِ اسْتَقَرَّ مِنْ مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِالتَّوَلُّدِ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ طَالِبٌ لِجِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّدَ عَنْهُ شَيْءٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، كَالِاعْتِمَادَاتِ وَالْحَرَكَاتِ، وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ لَا يَتَوَلَّدُ عَنْهُ شَيْءٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَالْقَوْلُ وَالْخَبَرُ لَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>