للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إِذَا تَعَارَضَا وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعَمُّ مِنَ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ هُوَ الْأَعَمَّ، جَازَ أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ مُخَصَّصًا لَهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ أَعَمَّ مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْعِلَّةَ لَا تَبْطُلُ بِتَقْدِيرِ تَخْصِيصِهَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ وَبِالْقِيَاسِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا.

وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْعِلَّةَ تَبْطُلُ بِتَقْدِيرِ تَخْصِيصِهَا، فَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى مَا عُرِفَ فِيمَا إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ.

[الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ قَبُولِ الْخَبَرِ الْمُرْسَلِ]

الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ.

اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ الْخَبَرِ الْمُرْسَلِ وَصُورَتِهِ، مَا إِذَا قَالَ مَنْ لَمْ يَلْقَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ عَدْلًا " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ".

فَقَبِلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَجَمَاهِيرُ الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي هَاشِمٍ.

وَفَصَلَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فَقَبِلَ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ، وَمَنْ هُوَ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ مُطْلَقًا، دُونَ مَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ الْمُرْسَلُ مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ أَوْ مُرْسَلًا قَدْ أَسْنَدَهُ غَيْرُ مُرْسِلِهِ أَوْ أَرْسَلَهُ رَاوٍ آخَرُ يَرْوِي عَنْ غَيْرِ شُيُوخِ الْأَوَّلِ، أَوْ عَضَّدَهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ، أَوْ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ الْمُرْسِلُ قَدْ عُرِفَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ عَمَّنْ فِيهِ عِلَّةٌ مِنْ جَهَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، كَمَرَاسِيلِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، فَهُوَ مَقْبُولٌ وَإِلَّا فَلَا.

وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ (١) وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ.

وَالْمُخْتَارُ قَبُولُ مَرَاسِيلِ الْعَدْلِ مُطْلَقًا، وَدَلِيلُهُ الْإِجْمَاعُ وَالْمَعْقُولُ، أَمَّا الْإِجْمَاعُ فَهُوَ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ الْمَرَاسِيلِ مِنَ الْعَدْلِ:


(١) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبِ الْبَاقِلَّانِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>