للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا الصَّحَابَةُ فَإِنَّهُمْ قَبِلُوا أَخْبَارَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مَعَ كَثْرَةِ رِوَايَتِهِ.

وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سِوَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ، لِصِغَرِ سِنِّهِ (١) .

وَلَمَّا رَوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى حَجَرَ الْعَقَبَةِ» .

قَالَ فِي الْخَبَرِ الْأَوَّلِ، لَمَّا رُوجِعَ فِيهِ: أَخْبَرَنِي بِهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ فِي الْخَبَرِ الثَّانِي: أَخْبَرَنِي بِهِ أَخِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ (٢) .

وَأَيْضًا مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، فَلَهُ قِيرَاطٌ» " وَأَسْنَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَأَيْضًا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ فَلَا صَوْمَ لَهُ " وَقَالَ: مَا أَنَا قُلْتُهُ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَلَكِنَّ مُحَمَّدًا قَالَهُ» ، فَلَمَّا رُوجِعَ فِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ.

وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَا كُلُّ مَا نُحَدِّثُكُمْ بِهِ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ سَمِعْنَا بَعْضَهُ، وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا بِبَعْضِهِ.

وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَقَدْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ إِرْسَالُ الْأَخْبَارِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إِذَا حَدَّثْتَنِي فَأَسْنِدْ، فَقَالَ: إِذَا قُلْتُ لَكَ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي حَدَّثَنِي، وَإِذَا قُلْتُ لَكَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ، فَقَدْ حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ عَنْهُ، وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ رَوَى حَدِيثًا، فَلَمَّا رُوجِعَ فِيهِ قَالَ: (أَخْبَرَنِي بِهِ سَبْعُونَ بَدْرِيًّا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا اشْتُهِرَ مِنْ إِرْسَالِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مَشْهُورًا فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ إِجْمَاعًا (٣) .


(١) قَدْ يُقَالُ إِنَّمَا قَبِلُوا أَخْبَارَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَمْلًا لَهَا عَلَى الظَّاهِرِ مِنَ الِاتِّصَالِ، كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي رِوَايَةِ كُلِّ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالتَّدْلِيسِ إِذَا رَوَى عَمَّ لَقِيَهُ بِصِيغَةٍ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي الِاتِّصَالِ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ لِصِغَرِ سِنِّهِ، فَدَعْوَى يَرُدُّهَا الْوَاقِعُ، انْظُرْ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ
(٢) انْظُرْ تَخْرِيجَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الْمُرَاجَعَةِ فِي تَلْخِيصِ الْحَبِيرِ لِابْنِ حَجَرٍ وَنَصْبِ الرَّايَةِ
(٣) أَقُولُ إِمَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الرِّوَايَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِرْسَالِ، وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَلِ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْمُرْسَلَةُ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ سُكُوتَهُمْ مُوَافَقَةٌ لِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ، مِنْ أَهَمِّهَا احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ لِكُلِّ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا بِمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَالْكَلَامُ فِي مِثْلِهَا بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ، إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْبَحْثِ، وَالْمُنَاظَرَةُ دُونَ الْإِنْكَارِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ سُكُوتَهُمْ مُوَافَقَةٌ، فَهُوَ إِجْمَاعٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، إِذِ النِّزَاعُ هُنَا فِي حُكْمِ الْعَمَلِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمُرْسَلُ مِنَ الْأَحْكَامِ، ثُمَّ هُوَ إِجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالنِّزَاعُ فِيهِ قَائِمٌ، وَلَيْسَ فِيمَا ذُكِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى رَفْعِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>