للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ اعتماد المفتي على اجتهاد سابق]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ

إِذَا اسْتَفْتَى الْعَامِّيُّ عَالِمًا فِي مَسْأَلَةٍ فَأَفْتَاهُ، ثُمَّ حَدَثَ مِثْلَ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَجْتَهِدَ لَهَا ثَانِيًا وَلَا يَعْتَمِدَ عَلَى الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ؟

اخْتَلَفُوا فِيهِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا بُدَّ مِنَ الِاجْتِهَادِ ثَانِيًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ وَيَطَّلِعَ عَلَى مَا لَمْ يَكُنِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ أَوَّلًا.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ إِلَى اجْتِهَادٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اطِّلَاعِهِ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَوَّلًا.

وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا هُوَ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَاكِرًا لِلِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ، أَوْ غَيْرَ ذَاكِرٍ لَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَلَا حَاجَةَ إِلَى اجْتِهَادٍ آخَرَ كَمَا لَوِ اجْتَهَدَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلَا بُدَّ مِنَ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَجْتَهِدْ. (١)

[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ هَلْ يَجُوزُ خُلُوُّ عَصْرٍ مَنِ الْأَعْصَارِ عَنْ مُجْتَهِدٍ يُمْكِنُ تَفْوِيضُ الْفَتَاوَى إِلَيْهِ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ

اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ خُلُوُّ عَصْرٍ مَنِ الْأَعْصَارِ عَنْ مُجْتَهِدٍ يُمْكِنُ تَفْوِيضُ الْفَتَاوَى إِلَيْهِ؟ (٢) فَمَنَعَ مِنْهُ قَوْمٌ كَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ.

وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ لَامْتَنَعَ إِمَّا لِذَاتِهِ أَوْ لَأَمْرٍ مِنْ خَارِجٍ.

الْأَوَّلُ: مُحَالٌ؛ فَإِنَّا لَوْ فَرَضْنَا وُقُوعَهُ لَمْ يَلْزَمْ عَنْهُ لِذَاتِهِ مُحَالٌ عَقْلًا. (٣) وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَعَلَى مُدَّعِيهِ بَيَانُهُ.


(١) الْمُنَاسِبُ أَنْ تُذْكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَالَّتِي بَعْدَهَا مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ.
(٢) الِاجْتِهَادُ قِسْمَانِ: عَامٌّ وَخَاصٌّ، فَالْعَامُّ: بَذْلُ الْجُهْدِ فِي تَطْبِيقِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ فِي حَيَاتِنَا الْعَمَلِيَّةِ، وَيَكُونُ مِنَ الْمُجْتَهِدِ وَالْمُقَلِّدِ، وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْهُ زَمَانٌ، وَالْخَاصُّ: بَذْلُ الْجُهْدِ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنَ الْأَدِلَّةِ، وَهَذِهِ وَظِيفَةُ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ شُرُوطِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي انْقِطَاعِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ لِمَا يَأْتِي فِي مُنَاقَشَةِ أَدِلَّةِ الْمُخَالِفِ.
(٣) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ ص ١٣٧ جـ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>