للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ بِالتَّنْبِيهِ وَالْإِيمَاءِ ويشتمل على أقسام]

[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ وَالتَّسْبِيبِ فِي كَلَامِ اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ]

الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ: مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ بِالتَّنْبِيهِ وَالْإِيمَاءِ.

وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ التَّعْلِيلُ لَازِمًا مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَضْعًا لَا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ دَالًّا بِوَضْعِهِ عَلَى التَّعْلِيلِ، وَهُوَ سِتَّةُ أَقْسَامٍ:

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ وَالتَّسْبِيبِ فِي كَلَامِ اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ أَوِ الرَّاوِي عَنِ الرَّسُولِ.

أَمَّا فِي كَلَامِ اللَّهِ فَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} .

وَأَمَّا فِي كَلَامِ رَسُولِهِ فَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» " (١) ، وَقَوْلُهُ: "

مَلَكْتِ نَفْسَكِ فَاخْتَارِي

". (٢) وَأَمَّا فِي كَلَامِ الرَّاوِي فَكَمَا فِي قَوْلِهِ: ( «سَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ» ) ، ( «وَزَنَا مَاعِزٌ فَرَجَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» -) .

وَذَلِكَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا رُتِّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ (بِالْفَاءِ) يَكُونُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ لِكَوْنِ (الْفَاءِ) فِي اللُّغَةِ ظَاهِرَةٌ فِي التَّعْقِيبِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ: " جَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو " فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَجِيءِ عَمْرٍو عَقِيبَ مَجِيءِ زِيدٍ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ السَّبَبِيَّةُ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْوَصْفِ سَبَبًا إِلَّا مَا ثَبَتَ الْحُكْمُ عَقِيبَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ قَطْعًا بَلْ ظَاهِرًا


(١) رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي الْمُزَارِعَةِ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ بِلَفْظِ: " مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ " وَتَرْجَمَ لَهُ بِبَابِ " مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا "، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ.
(٢) يُشِيرُ إِلَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ: أَعْتَقَتْ فَخُيِّرَتْ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبُرْمَةٌ عَلَى النَّارِ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَإِدَامٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ؟ فَقِيلَ: لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، قَالَ: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>