للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الخامسة الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ

اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَجَوَّزَهُ قَوْمٌ وَمَنَعَ مِنْهُ آخَرُونَ، وَشَرَطُوا فِي الْعِلَّةِ أَلَّا تَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا.

وَنَحْنُ نُشِيرُ إِلَى مَأْخَذِ الْفَرِيقَيْنِ وَنُنَبِّهُ عَلَى مَا فِيهِ، ثُمَّ نَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ.

فَأَمَّا مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْحُكْمَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ فَقَدِ احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ قَدْ يَكُونُ دَائِرًا مَعَ الْحُكْمِ الْآخَرِ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَالدَّوَرَانُ دَلِيلُ كَوْنِ الْمُدَارِ عَلَيْهِ الدَّائِرَ (١) وَسَنُبَيِّنُ أَنَّ الدَّوَرَانَ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيلِ فِيمَا بَعْدُ.

وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِامْتِنَاعِ التَّعْلِيلِ بِالْحُكْمِ فَقَدِ احْتَجُّوا بِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا كَانَ عِلَّةً لِحُكْمٍ آخَرَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ أَوْ مُقَارِنًا لَهُ.

لَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ وَإِلَّا لَزِمَ مِنْهُ وُجُودُ الْعِلَّةِ مَعَ تَخَلُّفِ حُكْمِهَا عَنْهَا، وَهُوَ نَقْضٌ لِلْعِلَّةِ.

وَلَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ بِالثَّانِي ; لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ لَا يَكُونُ عِلَّةً لِلْمُتَقَدِّمِ.

وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ، فَلَيْسَ جَعْلُ أَحَدِهِمَا عِلَّةً لِلْآخَرِ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونُ لِحُكْمِ الْأَصْلِ عِلَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ، وَإِذَا كَانَ مُعَلَّلًا احْتَمَلَ أَلَّا يَكُونَ الْحُكْمُ بِهِ هُوَ الْعِلَّةَ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ عِلَّةً عَلَى تَقْدِيرَيْنِ وَإِنَّمَا يَكُونُ عِلَّةً عَلَى تَقْدِيرٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ وُقُوعَ احْتِمَالٍ مِنِ احْتِمَالَيْنِ أَغْلَبُ مِنْ وُقُوعِ احْتِمَالٍ وَاحِدٍ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْحُكْمُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ الْمُعَرِّفَةِ أَوْ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ.

لَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ لِمَا سَبَقَ (٢) ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ بِالثَّانِي، لِأَنَّ الْقَوْلَ بِكَوْنِ الْحُكْمِ دَاعِيًا وَبَاعِثًا عَلَى الْحُكْمِ مُحَالٌ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ.


(١) عَلَيْهِ الدَّائِرَ: الصَّوَابُ عِلَّةٌ لِلدَّائِرِ
(٢) لِمَا سَبَقَ، يَعْنِي لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَاعِثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>