وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ مَعْنَى اشْتِرَاكِ الْجُزْئِيَّاتِ فِي الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ سِوَى أَنَّ الْحَدَّ الْمُطَابِقَ لِلطَّبِيعَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالْكُلِّيَّةِ مُطَابِقٌ لِلطَّبِيعَةِ الْجُزْئِيَّةِ، بَلْ إِنْ تُصُوِّرَ وُجُودُهُ فَلَيْسَ فِي غَيْرِ الْأَذْهَانِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْأَمْرُ طَلَبُ إِيقَاعِ الْفِعْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَطَلَبُ الشَّيْءِ يَسْتَدْعِي كَوْنَهُ مُتَصَوَّرًا فِي نَفْسِ الطَّالِبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ.
وَإِيقَاعُ الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ فِي الْأَعْيَانِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ مُتَصَوَّرًا فِي نَفْسِ الطَّالِبِ فَلَا يَكُونُ آمِرًا بِهِ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّكْلِيفُ بِمَا لَا يُطَاقُ، وَمَنْ أُمِرَ بِالْفِعْلِ مُطْلَقًا لَا يُقَالُ إِنَّهُ مُكَلَّفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ، فَإِذًا الْأَمْرُ لَا يَكُونُ بِغَيْرِ الْجُزْئِيَّاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْأَعْيَانِ لَا بِالْمَعْنَى الْكُلِّيِّ، وَبَطَلَ مَا ذَكَرَهُ.
ثُمَّ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّ الْأَمْرَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَعْنَى الْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَيْعِ، فَإِذَا أَتَى الْمَأْمُورُ بِبَعْضِ الْجُزْئِيَّاتِ كَالْبَيْعِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ فَقَدْ أَتَى بِمَا هُوَ مُسَمَّى الْبَيْعِ الْمَأْمُورُ بِهِ الْمُوَكَّلُ فِيهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ نَظَرًا إِلَى مُقْتَضَى صِيغَةِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ بِالْبَيْعِ.
وَإِنْ قِيلَ بِالْبُطْلَانِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِعَدَمِ دَلَالَةِ الْأَمْرِ بِهِ بَلْ لِدَلِيلٍ مُعَارِضٍ.
[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ الْأَمْرَانِ الْمُتَعَاقِبَانِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ
الْأَمْرَانِ الْمُتَعَاقِبَانِ إِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ الثَّانِي مَعْطُوفًا عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ يَكُونَ مَعْطُوفًا (١) ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَإِمَّا أَنْ يَخْتَلِفَ الْمَأْمُورُ بِهِ أَوْ يَتَمَاثَلَ، فَإِنِ اخْتَلَفَ فَلَا خِلَافَ فِي اقْتِضَاءِ الْمَأْمُورِينَ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْوَقْفِ، وَسَوَاءٌ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَالصَّلَاةِ مَعَ الصَّوْمِ أَمْ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ كَالصَّلَاةِ فِي مَكَانَيْنِ أَوِ الصَّلَاةِ مَعَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَإِنْ تَمَاثَلَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ قَابِلًا لِلتَّكْرَارِ أَوْ لَا يَكُونُ قَابِلًا لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَابِلًا لَهُ كَقَوْلِهِ: " صُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، صُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ " فَإِنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ الْمَحْضِ، وَإِنْ كَانَ قَابِلًا لِلتَّكْرَارِ فَإِنْ كَانَتِ الْعَادَةُ مِمَّا تَمْنَعُ مِنْ تَكَرُّرِهِ كَقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: " اسْقِنِي مَاءً اسْقِنِي مَاءً " أَوْ كَانَ الثَّانِي مِنْهُمَا
(١) الْحَامِلُ عَلَى التَّقْسِيمِ إِلَى حَالَيْنِ حَالُ الْعَطْفِ وَعَدَمِهِ وَعَلَى التَّرْدِيدِ فِي كُلِّ حَالَةٍ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: تَحْرِيرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ فِي كُلٍّ مِنَ الْقِسْمَيْنِ، الثَّانِي: بَيَانُ اخْتِلَافِ الْقِسْمَيْنِ فِي الْحُكْمِ وَالِاسْتِدْلَالِ فِي الْجُمْلَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute