للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْقِسْمُ الرَّابِعُ فِيمَا اخْتُلِفَ فِي رَدِّ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِهِ]

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى نَقْلِ حَدِيثِ النَّبِيِّ بِالْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ]

الْقِسْمُ الرَّابِعُ

فِيمَا اخْتُلِفَ فِي رَدِّ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِهِ وَفِيهِ عَشْرُ مَسَائِلَ

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى

اخْتَلَفُوا فِي نَقْلِ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ.

وَالَّذِي عَلَيْهِ اتِّفَاقُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى النَّاقِلِ، إِذْ (١) كَانَ غَيْرَ عَارِفٍ بِدَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ وَاخْتِلَافِ مَوَاقِعِهَا، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ، فَالْأَوْلَى لَهُ النَّقْلُ بِنَفْسِ اللَّفْظِ إِذْ هُوَ أَبْعَدُ عَنِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَسُوءِ التَّأْوِيلِ.

وَإِنْ نَقَلَهُ بِالْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الْمَعْنَى، وَلَا نُقْصَانٍ مِنْهُ، فَهُوَ جَائِزٌ.

وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ (٢) وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وُجُوبُ نَقْلِ اللَّفْظِ عَلَى صُورَتِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ وَقَالَ: بِجَوَازِ إِبْدَالِ اللَّفْظِ بِمَا يُرَادِفُهُ، وَلَا يَشْتَبِهُ الْحَالُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ بِمَا عَدَا ذَلِكَ.

وَالْمُخْتَارُ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ النَّصُّ، وَالْإِجْمَاعُ، وَالْأَثَرُ وَالْمَعْقُولُ.

أَمَّا النَّصُّ، فَمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهُ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ تُحَدِّثُنَا بِحَدِيثٍ لَا نَقْدِرُ أَنْ نَسُوقَهُ كَمَا سَمِعْنَاهُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أَصَابَ أَحَدُكُمُ الْمَعْنَى فَلْيُحَدِّثْ» (٣) وَأَيْضًا، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُقَرِّرًا لِآحَادِ رُسُلِهِ إِلَى الْبِلَادِ فِي إِبْلَاغِ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ بِلُغَةِ الْمَبْعُوثِ إِلَيْهِمْ دُونَ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ دَلِيلُ الْجَوَازِ.


(١) إِذِ الصَّوَابُ إِنْ أَوْ إِذَا
(٢) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ الْأَنْصَارِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ الْبَصْرِيُّ مَاتَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ١١٠ عَنْ ٧٧ سَنَةً وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ هُوَ الْجَصَّاصُ تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ.
(٣) قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي تَدْرِيبِ الرَّاوِي: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو الْأَزْهَرِ عَلَى وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا الْأَسْقَعِ حَدِّثْنَا إِلَخْ، وَمَكْحُولٌ هُوَ أَبُو أَيُّوبَ أَوْ أَبُو مُسْلِمٍ الشَّامِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو الْأَزْهَرِ هُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ فَرْوَةَ الدِّمَشْقِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>