للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَخَصُّصِ الْعُمُومِ سِوَى صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ جِهَةِ الْعُمُومِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ إِلَى جِهَةِ الْخُصُوصِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ، وَالتَّجَوُّزُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فِي ذَاتِهِ.

وَلِهَذَا لَوْ قَدَّرْنَا وُقُوعَهُ لَمْ يَلْزَمِ الْمُحَالُ عَنْهُ لِذَاتِهِ، وَلَا بِالنَّظَرِ إِلَى وَضْعِ اللُّغَةِ.

وَلِهَذَا يَصِحُّ مِنَ اللُّغَوِيِّ أَنْ يَقُولَ: جَاءَنِي كُلُّ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ، وَلَا بِالنَّظَرِ إِلَى الدَّاعِي إِلَى ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ كُلِّ مَانِعٍ سِوَى ذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِ الْأَوَامِرِ الْعَامَّةِ، وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ فِيهَا خِلَافًا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: (اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) مَعَ خُرُوجِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، وَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ سَارِقٍ يُقْطَعُ، وَلَا كُلُّ زَانٍ يُجْلَدُ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} مَعَ خُرُوجِ الْكَافِرِ وَالرَّقِيقِ وَالْقَاتِلِ عَنْهُ.

فَإِنْ قِيلَ: الْقَوْلُ بِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْخَبَرِ مِمَّا يُوجِبُ الْكَذِبَ فِي الْخَبَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمُخْبِرِ لِلْخَبَرِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى الشَّارِعِ كَمَا فِي نَسْخِ الْخَبَرِ.

قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ الْكَذِبِ، وَلَا وَهْمَ الْكَذِبِ، بِتَقْدِيرِ إِرَادَةِ جِهَةِ الْمَجَازِ، وَقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ.

وَإِلَّا كَانَ الْقَائِلُ إِذَا قَالَ: " رَأَيْتُ أَسَدًا " وَأَرَادَ بِهِ الْإِنْسَانَ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا إِذَا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْأَسَدَ الْحَقِيقِيَّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ.

وَعَلَى هَذَا فَلَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ نَسْخِ الْخَبَرِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ (١) .

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الْغَايَةِ الَّتِي يَقَعُ انْتِهَاءُ التَّخْصِيصِ إِلَيْهَا]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ

اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ وَتَخْصِيصِهِ فِي الْغَايَةِ الَّتِي يَقَعُ انْتِهَاءُ التَّخْصِيصِ إِلَيْهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ انْتِهَاءِ التَّخْصِيصِ فِي جَمِيعِ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ إِلَى الْوَاحِدِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ فِي (مِنْ) خَاصَّةً دُونَ مَا عَدَاهَا مِنْ أَسْمَاءِ الْجُمُوعِ كَالرِّجَالِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَجَعَلَ نِهَايَةَ التَّخْصِيصِ فِيهَا أَنْ يَبْقَى تَحْتَهَا ثَلَاثَةٌ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْقَفَّالِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.

وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ نِهَايَةَ التَّخْصِيصِ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ جَمْعًا كَثِيرًا يُعْرَفُ


(١) سَيَأْتِي أَيْضًا فِي التَّعْلِيقِ هُنَاكَ بَيَانُ مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>