[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْقُرْآنُ لَا يُتَصَوَّرُ اشْتِمَالُهُ عَلَى مَا لَا مَعْنَى لَهُ فِي نَفْسِهِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ
الْقُرْآنُ لَا يُتَصَوَّرُ اشْتِمَالُهُ عَلَى مَا لَا مَعْنَى لَهُ فِي نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ هَذَيَانًا وَنَقْصًا يَتَعَالَى كَلَامُ الرَّبِّ عَنْهُ خِلَافًا لِمَنْ لَا يُؤْبَهُ لَهُ فِي قَوْلِهِ: كَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ وَكَلَامُ الرَّبِّ تَعَالَى مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا لَا مَعْنَى لَهُ؟ كَحُرُوفِ الْمُعْجَمِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّورِ، إِذْ هِيَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ فِي اللُّغَةِ لِمَعْنًى، وَعَلَى التَّنَاقُضِ الَّذِي لَا يُفْهَمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} ، وَقَوْلُهُ: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} ، وَعَلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي لَا فَائِدَةَ فِيهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} ، وَقَوْلُهُ: (كَامِلَةٌ) غَيْرُ مُفِيدٍ لِمَعْنًى.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
قُلْنَا: أَمَّا حُرُوفُ الْمُعْجَمِ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهَا، بَلْ هِيَ أَسَامِي السُّورِ وَمُعَرِّفَةٌ لَهَا.
وَأَمَّا التَّنَاقُضُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، إِذِ التَّنَاقُضُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ اتِّحَادِ جِهَةِ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ وَالزَّمَانِ، وَزَمَانُ إِيجَابِهِ وَسَلْبِهِ غَيْرُ مُتَّحِدٍ بَلْ مُخْتَلِفٌ.
وَأَمَّا الزِّيَادَاتُ الْمَذْكُورَةُ فَهِيَ لِلتَّأْكِيدِ لَا أَنَّهَا غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى.
فَإِنْ قِيلَ: وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا لَا مَعْنَى لَهُ إِلَّا أَنَّ فِيهِ مَا لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ، وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا لَا مَعْنَى لَهُ.
وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} ، وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} ، لَيْسَتْ لِلْعَطْفِ وَإِلَّا كَانَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} عَائِدًا إِلَى جُمْلَةِ الْمَذْكُورِ السَّابِقِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، وَهُوَ مُحَالٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلِابْتِدَاءِ.
وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ مَا عَلِمَهُ الرَّبُّ تَعَالَى مَعْلُومًا لَهُمْ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى الْيَدِ وَالْيَمِينِ وَالْوَجْهِ وَالرُّوحِ وَمَكْرِ اللَّهِ وَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ غَيْرُ مَحْمُولٍ عَلَى مَا هُوَ مَفْهُومٌ مِنْهُ فِي اللُّغَةِ، وَمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ.