[الْمَسْأَلَةُ الرابعة تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ بِالْعَدَمِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ
اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ بِالْعَدَمِ، فَجَوَّزَهُ قَوْمٌ وَمَنَعَ مِنْهُ آخَرُونَ، وَشَرَطُوا أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ لِلْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ أَمْرًا وُجُودِيًّا وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
وَبَيَانُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحُكْمَ بِكَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً - صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ ; لِأَنَّ نَقِيضَ الْعِلَّةِ (لَا عِلَّةَ) ، وَ (لَا عِلَّةَ) أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِبَعْضِ الْأَعْدَامِ، وَلَوْ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ (لَا عِلَّةَ) وُجُودِيًّا لَكَانَ الْوُجُودُ صِفَةً لِلْعَدَمِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِذَا كَانَ (لَا عِلَّةَ) عَدَمًا فَالْمَفْهُومُ مِنْ نَقِيضِهَا وُجُودِيٌّ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَصِحُّ قَوْلُ الْقَائِلِ: " أَيُّ شَيْءٍ وُجِدَ حَتَّى حَدَثَ هَذَا الْأَمْرُ؟ " وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْحُدُوثُ مُتَوَقِّفًا عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ لَمَا صَحَّ هَذَا الْكَلَامُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَيُّ رَجُلٍ مَاتَ حَتَّى حَدَثَ لِفُلَانٍ هَذَا الْمَالُ؟ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ حُدُوثُ الْمَالِ لِفُلَانٍ مُتَوَقِّفًا عَلَى مَا قِيلَ.
الثَّالِثُ: وَهُوَ خَاصٌّ بِمَا إِذَا كَانَ الْحُكْمُ بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ كَالْوُجُوبِ وَالْحَظْرِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: " قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُسْتَنْبَطَةَ مِنَ الْحُكْمِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ لَا بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ، وَالْبَاعِثُ مَا اشْتَمَلَ عَلَى تَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ أَوْ تَكْمِيلِهَا أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةً أَوْ تَعْلِيلِهَا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، فَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ لِمِثْلِ هَذَا الْغَرَضِ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ ضَابِطُ ذَلِكَ الْغَرَضِ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ فِي إِيجَادِهِ وَإِعْدَامِهِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ شَرْعُ ذَلِكَ الْحُكْمِ مُفِيدًا لِمِثْلِ ذَلِكَ الْغَرَضِ، لِعَدَمِ إِفْضَائِهِ إِلَى الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ، وَالْعَدَمُ الْمَحْضُ لَا انْتِسَابَ لَهُ إِلَى قُدْرَةِ الْمُكَلَّفِ لَا بِإِيجَادٍ وَلَا إِعْدَامٍ، فَجُعِلَ ضَابِطًا لِغَرَضِ الْحُكْمِ وَمَقْصُودِهِ لَا يَكُونُ مُفْضِيًا إِلَى مَقْصُودِ شَرْعِ الْحُكْمِ فَيَمْتَنِعُ التَّعْلِيلُ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ صِفَةِ الْعِلَّةِ عَدَمٌ، وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute