للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا كُلُّهُ فِي الْأَقْوَالِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا.

وَتَمَامُ كَشْفِ الْغِطَاءِ عَنْ ذَلِكَ بِمَسَائِلَ وَهِيَ ثَمَانٍ.

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ الْمُضَافَيْنِ إِلَى الْأَعْيَانِ]

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى.

الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ كَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَالْجُبَّائِيِّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ، أَنَّ التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ الْمُضَافَيْنِ إِلَى الْأَعْيَانِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} ، {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} لَا إِجْمَالَ فِيهِ، خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ.

احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْإِجْمَالِ بِأَنَّ التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ الْمَقْدُورَةِ، وَالْأَعْيَانُ الَّتِي أُضِيفَ إِلَيْهَا التَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ غَيْرُ مَقْدُورَةٍ لَنَا، فَلَا تَكُونُ هِيَ مُتَعَلَّقَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ فِعْلٍ يَكُونُ هُوَ مُتَعَلَّقَ ذَلِكَ، حَذَرًا مِنْ إِهْمَالِ الْخِطَابِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ تَقْلِيلًا لِلْإِضْمَارِ الْمُخَالِفِ لِلْأَصْلِ.

وَعَلَى هَذَا، فَيَمْتَنِعُ إِضْمَارُ كُلِّ مَا يُمْكِنُ تَعَلُّقُهُ بِالْعَيْنِ، مِنَ الْأَفْعَالِ وَلَيْسَ إِضْمَارُ الْبَعْضِ أَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ، لِعَدَمِ دَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَى تَعْيِينِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ دَلَّ عَلَى تَعْيِينِ بَعْضِ الْأَفْعَالِ، لَكَانَ ذَلِكَ مُتَعَيِّنًا مِنْ تَعَلُّقِ التَّحْرِيمِ بِأَيِّ عَيْنٍ كَانَتْ وَهُوَ مُحَالٌ.

قَالَ النَّافُونَ: وَإِنْ سَلَّمْنَا امْتِنَاعَ تَعَلُّقِ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ بِنَفْسِ الْعَيْنِ، وَلَكِنْ مَتَى يَحْتَاجُ إِلَى الْإِضْمَارِ إِذَا كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْفِعْلِ الْمَقْصُودِ مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ، أَوْ إِذَا لَمْ يَكُنْ؟ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ.

وَبَيَانُهُ: أَنَّ كُلَّ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى عُرْفِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَمَارَسَ أَلْفَاظَ الْعَرَبِ لَا يَتَبَادَرُ إِلَى فَهْمِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْقَائِلِ لِغَيْرِهِ " حَرَّمْتُ عَلَيْكَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، وَحَرَّمْتُ عَلَيْكَ النِّسَاءَ " سِوَى تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَتَحْرِيمِ وَطْءِ النِّسَاءِ.

وَالْأَصْلُ فِي كُلِّ مَا يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً، إِمَّا بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ، أَوْ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ: وَالْإِجْمَالُ مُنْتَفٍ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِهَذَا كَانَ الْإِجْمَالُ مُنْتَفِيًا عِنْدَ قَوْلِ الْقَائِلِ: " رَأَيْتُ دَابَّةً " لَمَّا كَانَ الْمُتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ.

وَعَلَى هَذَا فَقَدَ خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ مِنَ الْوَجْهِ الثَّانِي أَيْضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>