للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْفَصْلُ الثَّانِي الْفَرْقُ بَيْنَ النَّسْخِ وَالْبَدَاءِ]

وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَدَاءَ عِبَارَةٌ عَنِ الظُّهُورِ بَعْدَ الْخَفَاءِ.

وَمِنْهُ يُقَالُ: بَدَا لَنَا سُورُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ خَفَائِهِ، وَبَدَا لَنَا الْأَمْرُ الْفُلَانِيُّ، أَيْ ظَهَرَ بَعْدَ خَفَائِهِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} ، {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ} ، {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} .

وَحَيْثُ كَانَ فَإِنَّ النَّسْخَ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِمَا نُهِيَ عَنْهُ وَالنَّهْيَ عَمَّا أُمِرَ بِهِ عَلَى حَدِّهِ وَظَنَّ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُسْتَلْزِمًا لِمَصْلَحَةٍ أَوْ مَفْسَدَةٍ.

فَإِنْ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِمَصْلَحَةٍ فَالْأَمْرُ بِهِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي نَهَى عَنْهُ إِنَّمَا يَكُونُ لِظُهُورِ مَا كَانَ قَدْ خَفِيَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ.

وَإِنْ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِمَفْسَدَةٍ فَالنَّهْيُ عَنْهُ بَعْدَ الْأَمْرِ بِهِ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ إِنَّمَا يَكُونُ لِظُهُورِ مَا كَانَ قَدْ خَفِيَ مِنَ الْمَفْسَدَةِ، وَذَلِكَ عَيْنُ الْبَدَاءِ.

وَلَمَّا خَفِيَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَدَاءِ وَالنَّسْخِ عَلَى الْيَهُودِ وَالرَّافِضَةِ، مَنَعَتِ الْيَهُودُ مِنَ النَّسْخِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَجَوَّزَتِ الرَّوَافِضُ الْبَدَاءَ عَلَيْهِ لِاعْتِقَادِهِمْ جَوَازَ النَّسْخِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَعَ تَعَذُّرِ الْفَرْقِ عَلَيْهِمْ بَيْنَ النَّسْخِ وَالْبَدَاءِ (١) وَاعْتَضَدُوا فِي ذَلِكَ بِمَا نَقَلُوهُ


(١) اعْتَذَرَ الْآمِدِيُّ عَنِ الْيَهُودِ وَالرَّافِضَةِ فِي انْتِقَاصِهِمْ لِلَّهِ وَطَعْنِهِمْ فِي أَفْعَالِهِ وَشَرَائِعِهِ بِخَفَاءِ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّسْخِ وَالْبَدَاءِ، وَتَعَذُّرِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا عَلَيْهِمْ، فَمَنَعَتِ الْيَهُودُ النَّسْخَ حِمَايَةً لِجَنَابِ اللَّهِ فِي زَعْمِهِمْ، وَجَهَّلَتِ الرَّافِضَةُ رَبَّهَا فَحَكَمَتْ بِأَنَّ اللَّهَ يَبْدُو لَهُ مِنَ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ مَا كَانَ خَفِيًّا عَلَيْهِ فَيَنْقُضُ مَا أَبْرَمَهُ (تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا) ، وَمَنْ تَبَيَّنَ أَمْرَ الْيَهُودِ وَحَسَدَهُمْ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ مُوسَى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَكَيْدَهُمْ لِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَتَبَيَّنَ حَالَ الرَّافِضَةِ وَوَقَفَ عَلَى فَسَادِ دَخِيلَتِهِمْ وَزَنْدَقَتِهِمْ بِإِبْطَانِ الْكُفْرِ وَإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُمْ وَرِثُوا مَبَادِئَهُمْ عَنِ الْيَهُودِ وَنَهَجُوا فِي الْكَيْدِ لِلْإِسْلَامِ مَنْهَجَهُمْ عَلِمَ أَنَّ مَا قَالُوهُ مِنَ الزُّورِ وَالْبُهْتَانِ إِنَّمَا كَانَ عَنْ قَصْدٍ سَيِّئٍ وَحَسَدٍ لِلْحَقِّ وَأَهْلِهِ وَعُصْبَةٍ مَمْقُوتَةٍ دَفَعَتْهُمْ إِلَى الدَّسِّ وَالْخِدَاعِ وَإِعْمَالِ مَعَاوِلِ الْهَدْمِ سِرًّا وَعَلَنًا لِلشَّرَائِعِ وَدُوَلِهَا الْقَائِمَةِ عَلَيْهَا، وَمَنْ قَرَأَ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَتَارِيخَ الْفَرِيقَيْنِ ظَهَرَ لَهُ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الدَّخَلِ وَالْمَكْرِ السَّيِّئِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>