للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ يَقْتَضِي نَفْيَ الِاسْتِوَاءِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ

نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} يَقْتَضِي نَفْيَ الِاسْتِوَاءِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْقَائِلِينَ بِالْعُمُومِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا وَقَعَ التَّفَاوُتُ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ فَقَدْ وَفَّى بِالْعَمَلِ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ.

حُجَّةُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إِذَا قَالَ الْقَائِلُ: لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو فَالنَّفْيُ دَاخِلٌ عَلَى مُسَمَّى الْمُسَاوَاةِ، فَلَوْ وُجِدَتِ الْمُسَاوَاةُ مِنْ وَجْهٍ لَمَا كَانَ مُسَمَّى الْمُسَاوَاةِ مُنْتَفِيًا، وَهُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى اللَّفْظُ.

فَإِنْ قِيلَ: الِاسْتِوَاءُ يَنْقَسِمُ إِلَى الِاسْتِوَاءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِلَى الِاسْتِوَاءِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلِهَذَا يَصْدُقُ قَوْلُ الْقَائِلِ: اسْتَوَى زَيْدٌ وَعَمْرٌو عِنْدَ تَحَقُّقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ.

وَالِاسْتِوَاءُ مُطْلَقًا أَعَمُّ مِنَ الِاسْتِوَاءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَمِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَالنَّفْيُ إِنَّمَا دَخَلَ عَلَى الِاسْتِوَاءِ الْأَعَمِّ فَلَا يَكُونُ مُشْعِرًا بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ الْخَاصَّيْنِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي فِي إِطْلَاقِ لَفْظِ الْمُسَاوَاةِ الِاسْتِوَاءُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ وَإِلَّا لَوَجَبَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَلَى جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، لِأَنَّهُ مَا مِنْ شَيْئَيْنِ إِلَّا وَلَا بُدَّ مِنِ اسْتِوَائِهِمَا فِي أَمْرٍ مَا، وَلَوْ فِي نَفْيِ مَا سِوَاهُمَا عَنْهُمَا.

وَلَوْ صَدَقَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمُسَاوِي لِتَنَاقُضِهِمَا عُرْفًا.

وَلِهَذَا فَإِنَّ مَنْ قَالَ: هَذَا مُسَاوٍ لِهَذَا فَمَنْ أَرَادَ تَكْذِيبَهُ قَالَ: لَا يُسَاوِيهِ وَالْمُتَنَاقِضَانِ لَا يَصْدُقَانِ مَعًا، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يُصَدَّقَ عَلَى شَيْئَيْنِ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَسَاوِيَيْنِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ مِنَ التَّسَاوِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

وَعِنْدَ ذَلِكَ فَيَكْفِي فِي نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ نَفْيُ الِاسْتِوَاءِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، لِأَنَّ نَقِيضَ الْكُلِّيِّ الْمُوجَبِ جُزْئِيٌّ سَالِبٌ فَثَبَتَ أَنَّ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ لَا يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمَا صَدَقَ نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ حَقِيقَةً عَلَى شَيْئَيْنِ أَصْلًا، لِأَنَّهُ مَا مِنْ شَيْئَيْنِ إِلَّا وَقَدِ اسْتَوَيَا فِي أَمْرٍ مَا كَمَا سَبَقَ.

وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ إِذِ الْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ دُونَ الْمَجَازِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>