للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْبَابُ الثَّانِي فِي التَّقْلِيدِ وَالْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَمَا فِيهِ الِاسْتِفْتَاءُ وَمَا يَتَشَعَّبُ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ]

الْبَابُ الثَّانِي

فِي التَّقْلِيدِ وَالْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، وَمَا فِيهِ الِاسْتِفْتَاءُ، وَمَا يَتَشَعَّبُ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ.

أَمَّا (التَّقْلِيدُ) فَعِبَارَةٌ عَنِ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ مُلْزِمَةٍ (١) وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ تَقْلِيدِهِ بِالْقِلَادَةِ وَجَعْلِهَا فِي عُنُقِهِ، وَذَلِكَ كَالْأَخْذِ بِقَوْلِ الْعَامِّيِّ، وَأَخْذِ الْمُجْتَهِدِ بِقَوْلِ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ (٢) وَعَلَى هَذَا فَالرُّجُوعُ إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعَصْرِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، وَرُجُوعُ الْعَامِّيِّ إِلَى قَوْلِ الْمُفْتِي، وَكَذَلِكَ عَمَلُ الْقَاضِي بِقَوْلِ الْعُدُولِ لَا يَكُونُ تَقْلِيدًا (٣) لِعَدَمِ عَرُوِّهِ عَنِ الْحُجَّةِ الْمُلْزِمَةِ.

أَمَّا فِي قَبُولِ قَوْلِ الرَّسُولِ فَمَا دَلَّ عَلَى وُجُوبِ تَصْدِيقِهِ مِنَ الْمُعْجِزَةِ، وَوُجُوبِ قَبُولِ قَوْلِ الْإِجْمَاعِ قَوْلُ الرَّسُولِ، وَوُجُوبِ قَبُولِ قَوْلِ الْمُفْتِي وَالشَّاهِدَيْنِ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ (٤) وَإِنْ سُمِّيَ ذَلِكَ تَقْلِيدًا، فَلَا مُشَاحَّةَ فِي اللَّفْظِ. (٥)


(١) انْظُرْ ص ٢٦٠ مِنْ ج١٩ وَص ١٥ مِنْ ج ٢٠ مِنْ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى، وَتَفْصِيلُ الْكَلَامِ عَلَى التَّقْلِيدِ وَمُنَاظَرَةٌ بَيْنَ مُقَلِّدٍ وَصَاحِبِ حُجَّةٍ فِي ج٢ مِنْ إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ.
(٢) أَخْذُ الْعَامِّيِّ بِقَوْلِ الْعَامِيِّ تَقْلِيدٌ مُحَرَّمٌ، وَأَخْذُ مُجْتَهِدٍ فِي مَسْأَلَةٍ عَلِمَ حُكْمَهَا بِقَوْلِ مِثْلِهِ فِيهَا مُحَرَّمٌ، وَأَخْذُهُ بِقَوْلِ مِثْلِهِ فِي مَسْأَلَةٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْرِفَ حُكْمَهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَكَلَامُ الْآمِدِيِّ هُنَا مُجْمَلٌ، وَسَيَجِيءُ تَفْصِيلُهُ لِذَلِكَ.
(٣) الظَّاهِرُ أَنَّ رُجُوعَ الْعَامِّيِّ لِقَوْلِ الْمُفْتِي تَقْلِيدٌ، وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ لِمَنْ عَجَزَ عَنِ الدَّلِيلِ، أَمَّا عَمَلُ الْحَاكِمِ بِقَوْلِ الْعُدُولِ فَهُوَ تَحْقِيقُ مَنَاطِ الْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَتَطْبِيقُهَا عَلَى الْقَضَايَا الْجُزْئِيَّةِ، وَيُسَمَّى الِاجْتِهَادَ بِالْمَعْنَى الْعَامِّ وَيَكُونُ مِنَ الْمُقَلِّدِ وَالْمُجْتَهِدِ.
(٤) وَوُجُوبِ قَبُولِ الْإِجْمَاعِ قَوْلُ الرَّسُولِ. . . . إِلَخْ فِي الْعِبَارَةِ تَحْرِيفٌ أَوْ تَسَامُحٌ فِي التَّعْبِيرِ وَلَعَلَّ الْأَصْلَ: " وَأَمَّا فِي وُجُوبِ قَبُولِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ فَقَوْلُ الرَّسُولِ، وَأَمَّا فِي وُجُوبِ قَبُولِ قَوْلِ الْمُفْتِي وَالشَّاهِدَيْنِ فَالْإِجْمَاعُ ".
(٥) لَيْسَ هَذَا مُجَرَّدَ اخْتِلَافٍ فِي الْعِبَارَةِ وَالِاصْطِلَاحِ، بَلِ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ حَقَائِقِ مَدْلُولَاتِ تِلْكَ الْعِبَارَاتِ يَتْبَعُهُ اخْتِلَافٌ فِي حُكْمِ بَعْضِهَا وَاتِّفَاقٌ عَلَى حُكْمِ بَعْضٍ آخَرَ كَمَا سَيَجِيءُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>